مع ازدياد حالات الإصابة بوباء كورونا، وانتشار مشاعر القلق والهمّ لدى البشر بشكل عام، نتيجة السلالات الجديدة للجائحة، التي نسأل الله أن يرفعها عن الأمة، تزدادُ حاجة الناس النّفسية والروحية إلى نشر ثقافة البُشرى والطمأنينة، والسّلام والأمان بينهم، وذلك لأنّ الضرورة إلى السّلام الداخلي، والهدُوء النّفسي مثل الحاجة إلى الماء والهواء والطعام والعلاج.
ما أحوجنا اليوم إلى الأخذ بالاحتياطات الاحترازية في ظلّ الانتشار السريع للوباء، والالتزام التام بما تصدره الجهات الرسمية من قرارات وتوجيهات للمحافظة على صحّة الجميع وسلامة المجتمع، ولكن حاجتنا أشدّ كذلك إلى الأخذ بالاحتياطات الشرعية: من تقوية الصلة بالله تعالى، والافتقار إليه، ونشر رسائل الطمأنينة والأمل، والتفاؤل والإيجابية في الناس، بدلاً عن الهلع والذعر، والخوف والقلق الزائد.
ولاشك في أنّ نشر الطمأنينة في النفوس والربط على القلوب عند مواقف الضيق والشدّة منهجٌ رباني عظيم، حيث قال لموسى- وهو في مواجهة أعظم قوّة في وقته- : «لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى»، «طه: 68»، وقالَ لمن أسرفَ من عباده: «لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ»، «الزمر: 53»، كما أن التّسلية وجبرَ الخواطر عند اليأس والغمِّ رسالةٌ نبيلة ومهمّة عظيمةُ قام بها الأنبياءُ عليهم السلام، فهذا يعقوب عليه السلام يقول لأبنائه: «لَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّه»، «يوسف: 87»، وهذا نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم يواسي صاحبه أبا بكر إذ هما في الغار: «لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا» «التوبة: 40».
كيف ننشر الطمأنينة خلال الجائحة؟
1- أرسل رسائل الاطمئنان، والدّعاء لكلّ من تعرفهم من المصابين بالفيروس -شافاهم الله- وطيّب خواطرهم، وخصّهم بالدعاء، وأدخل الفرح والسرور على قلوبهم بكلماتٍ طيبة وأخبار جميلة.
2- تفاءل واستعن بالله واكسر حاجز الخوف والقلق والاضطراب بتوكيل الأمور إلى الله، وكثرة الذكر» ألا بذكر الله تطمئن القلوب»، «الرعد: 289».
3- عش في حدود يومك ولا تقتل فرحتك بالخوف والقلق من دون سبب، ولاتسبق الأحداث، ولا تحاول قطف الثمرة قبل نضوجها، وليكن شعارك بعد أخذ الاحترازات: «قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ»، «التوبة: 51».
4- لست مديراً للأرض، أو وكيلاً على أولاد آدم عليه السلام، فتحمل الصغيرة والكبيرة على عاتقك، وتهوّل البلاء أكثر من اللازم.
ولا تجـــزع لحادثة الليالي
فمـــا لحوادث الدنيا بقاء
5- أنظر إلى الوضع الحالي، الصحي والمالي وغيره، بكلّ ثقة وثبات، واعلم أنّ رحمة الله واسعة، وفضله عظيم، ولطفه شامل، وأنّه قادر على أن يحميك ويحفظك.
6- احمل سجادتك، والتزم برّ الأمان والسلام، بادر إلى إلصلاة، وامرغ جبهتك أمام ربّك، وافتح مصحفك ورتّله بتدبّر وتمعّن؛ تجد اللذّة والراحة، والهدوء والأمان، والأمن والاستقرار.
إن ضاقتِ الأرجاءْ
ما ضاقَ منكَ رجاءْ
ضعفـــاءُ يـــا اللهْ
كـــربٌ وأنــتَ اللــهْ
7- تعلم أنه لا أمان مع المعاصي، ولاسكينة في الخروج عن طاعة مولاك وربّك.
8- أصدق في الالتجاء إلى الله تعالى ودعائه في أحلك الظروف وأشد الحالات، فيونس عليه السلام لم يترك الدعاء في بطن الحوت، واعلم أن انتظار الفرَج عبادة، وأنّ مع العسر يُسرا، ومن الأدعية المأثورة عنه صلى الله عليه وسلم: «اللهم إنِّي أعوذُ بك من البَرَصِ والجنونِ والجُذامِ، و من سَيِّئِ الأسقامِ» «صحيح الجامع: 1281».
9- انشر البشرى والبشارة بين الناس، وأخبار المتعافين وإحصائياتهم، وأنّ هذا المرض قابل للعلاج إن شاء الله، وتجنّب الإخبار بالشرّ والتخويف والترهيب، قال صلى الله عليه وسلم: «بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا، وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا» «صحيح مسلم: 1732».
سيمرُّ هذا الوقتُ مهما اشتدَّ باسْ
وستزهرُ الآمالُ مِن جدبٍ يَباسْ
ولسوفَ تُدرَكُ قيمةُ النّعمِ التي
عادَت، وكانَ الناسُ عنهَا في انحباسْ
10- لاتستمع للشائعات والأراجيف، والأخبار السلبيّة والمخيفة المضرّة بصحّة الناس، وخذ المعلومات من المصادر الموثوقة والرسمية فقط.
11- لاداعي للتشاؤم فنسبة الوفاة بسبب كورونا 1% حسب بعض الإحصائيات، بينما الموت بغير كورونا في أي لحظة 100% تعدّدت الأسباب والموت واحد.
* شمعة أخيرة:
«إذا تحدّث الناس عن الخسائر فذكّروهم بالأرباح، وإذا تحدّثوا عن الهزائم، فحدّثوهم عن الانتصارات، وإذا تحدّثوا عن الطرق المسدودة، فحدّثوهم عن الطرق المفتوحة، حاولوا دائماً أن تروا الوجه المشرق للأشياء، وأن تروا النصف المملوء من الكأس». «خمسون شمعة، د.عبد الكريم بكار، ص: 189».