يحظى اسم المرأة في مجتمعنا الخليجي بمكانة خاصة يوازي مقامها تماماً بل إنه ينفرد بخصوصية وجب أن لا ننتهك حرمتها فلو كانت جدتي تحيا بيننا وعلمت أني سأسرد اسمها عبر وسيلة تعتبر أساساً لنشر لربما وبختني لما اقترفته من ذنب في حقها ولأني أكن لها كل الود والاحترام وأحفظ لها كل الذكريات السعيدة منها والمحزنة سأذكرها خفية وعلناً وهو أدنى حق يمكنني أن أوفيه في سبيل تخليد ذكراها.

هي ذات شخصية قوية وبأس شديد لا تتوانى عن فرض سيطرتها كلما واتتها الفرصة ولا تتردد في بسط سلطتها إن سنحت لها الظروف ربما قسوة الحياة التي عاشتها فرضت عليها هذه الطباع كذلك هو قلبها بحر من الحب والحنان والعطف والعطاء تزيد عليه كرماً لا حدود له اختارت ابنها الأصغر من الأولاد الذي هو والدي كي تحيا في كنفه بالرغم من منزلنا المتواضع وهكذا قدر لي أن أعيش جزءاً من طفولتي وصباي بقربها ولا بد للمرء أن يتأثر بمن يحيط به وبيئته التي من حوله.

عندما كنا صغاراً نلهو مع أقراننا الذين لزم علينا أن يكونوا من الأهل مطبقين تعاليم الوالد الصارمة في انتقاء أصحابنا فالأقربون أولى بالرفقة كان مسرح لعبنا بهو الصالة الصغيرة التي تقبع في طرفها غرفتها كثيراً ما كانت تقطع علينا وتنادينا بصوت لا زلت أذكر ملامحه الرخيمة جيداً الممزوجة بين الأمر والتودد ربما أثرنا شجون طفولتها وأرادت أن تشاركنا اللعب بطريقتها.

فتطلب منا أن نجلس ممددين أرجلنا قبالتها وتأخذ هي وضعية التربع في جلستها ويغطي بدنها الذي كان يبدو ضخماً بالنسبة لنا آنذاك ثوباً تقليدياً جميلاً بتفاصيله كنت أظنه جهلاً مني أنها لا تملك غيره لتشابه حجمه ولونه الأبيض كمحياها وتكتسحه بعض الأشكال الموردة لتضفي إليه شيئاً من التغيير وتبدأ بسرد ترنيمه من موروثنا الشعبي القديم يبدأ مطلعها «حديه بديه ناصر ديه» بحثت عن جذورها فوجدت أن أصلها من تراث بغداد وفحواها رسالة إنذار.

وتقتضي اللعبة بأن تمرر أصابعها الطويلة على أطراف أقدامنا الصغيرة ورقابنا منحنية وأعيننا مسلطه عليها فنحن لسنا حديثي عهد بهذه اللعبة ونعلم مآلاتها جيداً وحتى تفرغ من آخر كلمة في الأنشودة وتستقر على ساق إحدى الضحايا حينها عليه أن يختار مكافأته وهي عبارة عن إحدى القرصتين أما النملة أو القروص المخيف وتتولى هي بالطبع تنفيذها بيدها التي ملئها الزمن تضاريساً من التموجات والانكماشات أفقدها الكثير من أنوثتها كما أكسبها وقاراً وهيبة يحسب لها ألف حساب وينالها وسط ضحك وفرح الجميع وبانتظار من سيكون عليه الدور ليسدل الستار على لعبة حملت عبئها طوال ذاك اليوم بل إنني لا أخفيكم سراً بأني كرهتها وتمردت أحياناً عليها مسببة خيبة أمل لجدتي العزيزة فكيف بلعبة يكون مصدر سعادتها ألماً.

الآن وبعدما بلغت سناً يقودني حتماً إلى عمر سنينها إن أراد الله أدركت تماماً أن بعض ما كنا نستصغره ونستهين به سيكون لنا ذات يوم عوناً وسيساعدنا في تخطي عثرات خطواتنا واجتيازها وسيشكل لنا مصدراً للإلهام نستسقي منه قرارتنا ونستمد به ما يقينا من شر الأمور وأضرارها فكثيراً ما نواجه موقفاً نكون فيه مجبرين على أن نختار بين أمرين بالرغم من يقيننا أننا سنتحمل تبعاتهم وعواقبهم فالمغزى والعبرة إذا كانت في خواتيم تلك اللعبة البسيطة.

* الخلاصة:

إهداء إلى كل من يجمعني وإياه صلة قربى بهذه الإنسانة التي تركت أثراً في نفسي وعلمتني فصلاً من دروس الحياة بإرادتها أو دون قصد منها فالذي كنا نظنه لهواً في يوم ما سيغدو ترياقاً يصد عنا أعتى الأمراض وأشرسها وما كنا نحسبه لعباً سيكون بمثابة ترويض لنا لأقدار معلقة بين الكاف النون يأمر بها الله وستكون بإذنه رحمنا الله وإياكم أحياءً وأمواتاً وأسكن أحبابنا الذين سبقونا الفردوس الأعلى.