لنبدأ أولاً بتعريف مقتضب عن الدين والدولة، فالأولى عقيدة والأخرى كيان، وكلاهما شكلا أولى لبنات الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، وانتقل الإسلام من مرحلة الدعوة إلى التوحيد التي تركزت في مكة إلى مرحلة تأسيس نواة الدولة الإسلامية بمفهومها المدني في وقتنا المعاصر لبناء منظومة أمة أساسها الدين وسياستها تأطير العلاقة وبلورتها في نظام الحكم بين الحاكم والمحكوم بوضع أسس وشرائع وقوانين وأحكام لا يحيد عنها أي الطرفين وبالتالي تقودنا تلقائيا لحياة مدنية متكاملة يسودها العدل والحرية والمساواة منبعها الإسلام وقوامها الدستور .

لم يشهد المجتمع الإسلامي عبر تاريخ رحلته أن واجه صراعاً على السلطة حتى ظهور حركة الخوارج فكانت الانطلاقة الأولى لصراع امتزج بين الدين والسياسة ومنذ ذلك الوقت والوطن العربي يمر بأطوار مختلفة من الحكم حتى الحرب العالمية الأولى التي انتهت بسقوط السلطة العثمانية وانقضاء مرحلة زمنية من الهيمنة والسيطرة ليبدأ بعدها عهد جديد ونمط مغاير من الاستعمار على المنطقة العربية بدأ بتقسيمها ووضع حدود جغرافية بترسيمها ومن ثم ممارسة نوع من الغزو الفكري تمثل في نشر المفاهيم والأفكار الغربية باسم التقدم والحضارة مما ساد موجة من الانفلات وانتشار مبادئ وقيم دخيلة لم تعهدها البيئة العربية المحافظة الأمر الذي دفع إلى تكوين جماعات وتنظيمات إسلامية كنوع من ردة الفعل أو الثورة إن جاز القول لصد حركات التحرر ومحاربة منهج التغريب.

بدت الغاية من بعض الحركات الإسلامية سامية ونبيلة - على غير الحقيقة - وتمثلت في العمل الدعوي في صدارة تأسيسها فاتخذت من الإسلام شعاراً لها واعتمدت الخطاب الديني وسيلة لبلوغ أهدافها فكان إحياء مبدأ الشورى الأساس الذي ارتكزت عليه بعض الجماعات، بيد أن منهج الإخوان المسلمين كشف عن جماعة ضالة متعطشة للحكم ومرادها السلطة تحزب الدين وتنسب نفسها زوراً وبهتاناً للإسلام تتبع نظاماً كهنوتياً يقدس فيه الزعيم ويطاع أمره حتى وإن قادهم للهلاك فالولاء والانتماء للجماعة ولا سواها تحيطهم السرية ويعملون في الخفاء فديدنهم الرياء وثوبهم النفاق. وللحديث بقية.