ربما لم يكن يعلم الأمير بندر أنه عندما دعا أبناء وطنه وخصهم بالحديث في لقائه الممتع ووجه لهم نداء بعد غياب دام سنين عن معترك الساحة السياسية والدبلوماسية أنه كان على موعد مع العالم الخليجي والعربي بأسره، بل ربما أنه لم يكن ليتوقع أن نداءه تداعى له سائر أبناء الخليج وأن يكون لحديثه صدى عميق مؤثر وقع في نفوسهم وأسر قلوبهم حتى ممن لم يكن له شأن في السياسة أو بعيد كل البعد عن قضايا أمته أو حتى لا يكترث بالصراعات الدائرة حوله. نعم فسمعة الأمير بندر تسبقه في كل محفل وسمات شخصيته المتميزة وحنكته المتقدة وعقليته المدبرة كانت لها الدور المركزي والمحوري في صنع القرارات التاريخية وخلق الأحداث وتحريكها وتوجيهها لصالح وطنه وأمته ولطالما أراد وفضل العمل متوارياً في الظل ووراء الكواليس ولكن تأبى الأيام وتعاند الأحداث إلا أن تكشف لنا عن رجل صنع السلام وعاش من أجله. حديث الأمير بندر لم يختزل فقط سنوات عمره ولا من عمر الشعوب التي سبقت تلك الحقبة بل أنها امتدت ألى ما قبل ذلك بكثير منذ أن نشأت أقدم قضايا الأمة العربية وأهمها، لأننا كشعوب عربية نؤمن تماماً بأن كل فرد ينتمي إلى هذه الأمة وهذه الأرض وهذه القومية لابد وأن يكون له دور فعال رجلاً كان أو امرأة صغيراً كان أو كبيراً، الكل يجب أن يساهم ويشارك ويخوض وينغمس في قضايا وطنه وأمته. ومن هذا المنطلق بدأ الأمير مسير حياته المهنية عسكرياً ودبلوماسياً وسياسياً وضع خلالها بصمة من ذهب يعلمها القاصي والداني. لم يكن بالأمر الهين واليسير على شخصية مثل الأمير بندر أن يظهر لنا عن مدى الحزن والحسرة والمرارة التي يشعر بها تجاه أهم قضية خاض غمارها وجال في دهاليزها، ولعب في متاهاتها المعقدة كرجل سياسي محنك ودبلوماسي بارع إذاً فما الذي أغضبه وجعله يخرج عن صمته؟

إنهم أصحاب الأرض أنفسهم ودورهم في خسارة وضياع أرض عربية غالية على قلب كل مسلم بسبب رهاناتهم الفاشلة على الطرف الخاسر تارة وتعنتهم وقراراتهم الخاطئة التي خالفت الرأي والنصيحة تارة أخرى، فيقبلون المال ويرفضون المشورة ويظهرون الولاء ويبطنون الرياء، فأضاعوا الوطن وفقدوا بوصلة القضية فأضحت تجارة بخسة دفع ثمنها الشعب الفلسطيني، فمنذ بدايات الصراع ودول الخليج لم تتوانَ في أن تكون السد المنيع والحصن والملاذ الآمن وقدموا النفس والمال والأرض فما كان جزاؤهم إلا الجحود والنكران، وبهذه العبارات الصريحة لخص الأمير بندر تلك القصة الطويلة.

فليفخر كل أبناء وطني، بهذه النبرة ناداهم وبهذه الكلمات خاطبهم وليرفع رأسه عالياً شامخاً لمواقف بلاده الثابتة الراسخة على الحق وتفاني قادته وإخلاص حكامة وليعلم كل عربي أن هذا هو تاريخنا وهذه هي إنجازات رجالنا. الخلاصة: لم تعد الشعوب أسيرة عواطفها أو يستطيب سمعها لشعارات رنانة وخطب فضفاضة تلقى من أعلى المنصات دون أن ترى فعلاً على أرض الواقع، وأملنا في جيل أكثر وعياً وأعمق فكراً وأغزر ثقافة يعلو بعلمه ويقود نفسه ويحرر عقله ويسمو بفكره.