في سياق حديثنا عن الجماعات الإسلامية لا بد من أن نلقي الضوء على اتجاه آخر خرج من عباءة الإخوان وآثر نقل التجربة الأم واستنساخها ليحقق نهضة ويحدث نقلة نوعية في مجتمع غلب عليه الطابع التقليدي والعقلية الثابتة المتعصبة لكينونته الثقافية وعقيدته الدينية الراسخة التي ترتكز على نظرية الإمامة وقائمة على الانتظار وتتبع النص الإلهي في التعيين والتنصيب وتعتبره جزءاً لا يتجزأ من الإسلام ولا يمكن تسليمه لاجتهادات البشر وفقاً لرؤيتهم وتؤمن بقدسية الأفراد بوصفهم مرجعية لتعاليم الدين ولتجاوز تلك الإشكالية أعطيت الصلاحيات المطلقة للقائم مقام الحاكم الشرعي باعتباره الولي الفقية للشروع في بناء الدولة الإسلامية المنشودة، وبالرغم من الاختلافات الجذرية في الفكر والخلفية الدينية فإن منهج التيارات بلغ مداه وأخذ يتنامى إلى أن انتشر في كافة الأقطار العربية.

ومن الصعود إلى القمة بدأ السقوط إلى القاع، حقيقة إن نهج الجماعات الإسلامية ولد حالة من الانفصال عن بنية الدولة والانعزال بهوية منفصلة متعالية عن المجتمع الذي تنتمي إليه، ولا سيما أنها تبنت نشاطاً من العنف والعداء الظاهر للنظام الحاكم والسعي وراء السلطة والنفوذ لبلوغ سدة الحكم، ما أفقدهم مصداقيتهم وأثر على شعبيتهم وكشف عن تضارب فكرهم بدعوتهم وبمجرد اصطدامهم بصحوة الوعي لدى الشعوب التي نبذت فكرهم وتصدت لمواجهتهم انهار المشروع برمته.

* الخلاصة:

العقل مقيد بذات الإنسان، وهو وحده ممسك بسنامه فإن أحكم قيده سجنه في قوقعته، وإن أطلقه حرره من أغلاله ولا يتأتى له ذلك إلا بنفض الغبار عما عشعش بداخله وأزاح الصدأ عنه بتجديد آفاق فكره ورؤيته وفق الزمان الذي يعيش فيه وبمقتضى الحياة التي يحياها، وبقي أن ندرك أن الدين فطرة والاختلاف فضيلة جعلها الله في خلقه رحمة بهم، والإسلام لب الفطرة وجوهرها وهو صالح لكل زمان ومكان ومصيرنا مرتبط بمقدار إيماننا بالله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.