هذا السؤال البسيط يتعرض له معلمو الرياضيات في جميع مراحل التعليم المختلفة. ويحاول المعلم أن يجيب على هذا السؤال بإجابات تتناسب مع المرحلة التعليمية. فبعض الإجابات تركز على العمليات الحسابية فقط مثل: كيف يمكنك تحديد مقدار الطلاء والسجاد الذي تحتاجه لإعادة غرفة المعيشة الخاصة بك؟ كيف يمكنك معرفة ما سيكلفك قرض السيارة هذا بالفعل، «الفائدة المركبة»؟ كيف تقارن بين عرضين مختلفين للرهن العقاري؟ كيف تحسب الضرائب الخاصة بك؟ وهناك من يقدم أجوبه للطلاب تتعلق بمستقبلهم الوظيفي والمهني، مثل، لا تستطيع أن تدرس الرياضيات - انسَ أن تصبح مهندساً، انسَ أن تكون فيزيائياً، انسَ أن تكون باحثاً في مؤسسة للتحليلات الإحصائية، انسَ الكثير من الوظائف في البنوك الاستثمارية. وانسَ أن تكون خبيراً إكتوارياً في شركة التأمين، انسَ أن تحصل على شهادة في الاقتصاد أو الأعمال. وغيرها الكثير من الوظائف التي لا يمكن أن تؤدَّى إلا بدراسة الرياضيات. ومن المعلمين من يقدم إجابته لطلابه على أنها مجرد وسيلة لتوسيع معدل الذكاء، ففي ملاحظة إحصائية، كان أعظم المتميزين في العلوم الذين لديهم معدل ذكاء رائع يجيدون الرياضيات. كما أنها تحسن المهارات الشخصية التي تساعد في حل المشاكل الخاصة بك في الحياة الحقيقية. إنها تجعلك ما يسمى «بريليانت»، لأن الرياضيات هي واحدة من أفضل الطرق القادرة على ضبط عقلك وقادرة على أن تجعله يعمل بكفاءة أكبر!

والآن عزيزي القارئ نقدم لك بعضاً من جوانب الرياضيات التي نستخدمها في حياتنا اليومية وربما تكون ليست واضحة لغير المتخصصين. هل تعلم عزيزي القارئ أن أجهزة الحاسوب والتلفونات وتطبيقاتها المختلفة التي تستعملها يومياً في مواقع الويب ومعالجات النصوص وألعاب الفيديو تعتمد على نظرية الأعداد والجبر المنطقي؟ هل تعلم أن إشارات المرور مصممة بناء على معالجة أنظمة رياضيات مبنية على مجموعة من العوامل التي تحدد أوقات التدفق المروري وبناء عليه تتم عملية برمجة إشارة المرور؟ هل تعلم أن نظرية التوقع المستقبلي مثل معرفة حالة الطقس، توقع حالة الاقتصاد، عدد المواليد وغيرها مبنية على علم الاحتمال الرياضي؟ هل تعلم أن هناك فرعاً من أفرع العلوم والتي تسمى تكنولوجيا الغذاء هي في الأساس دورة هندسية تحتاج إلى فهم الرياضيات الميكانيكية الأساسية من أجل تصميم الآلة وفقاً لسرعة الدوران الملائمة؟ ولم ننسَ دور الرياضيات في تكنولوجيا الاتصالات وبناء شبكات الهواتف النقالة، كما أن دور الرياضيات بارز في العمليات الإنشائية والتصميم.

في الحقيقة هذه بعض الجوانب البسيطة التي نلاحظ فيها تطبيقات الرياضيات. فهي موضوعات تم تصميمها كنوع من الخيال والإبداع. لم يتم تصميمها أبداً للتطبيق. ولم تكن النتيجة النهائية أو تطبيقاتها هي الدافع لعالم الرياضيات! فمثلاً عندما قدم فورييه تحويلاته الرياضية المعروفة باسم «تحويلات فورييه» لم يكن يعلم أنه في يوم من الأيام ستكون العمود الفقري للصناعة الإلكترونية بأكملها. لقد فعل ذلك لمجرد أنه قادر، لمجرد أنه أراد أن يستكشف، لمجرد تخيله. وعندما قدم نيوتن قوانين الحركة المعروفة لم يكن يعلم أنها ستحدث ثورة في علم النقل والأقمار الاصطناعية والتطبيقات العسكرية، كما أن نظرية التحكم هي الأساس الذي تبنى عليه محطات توليد الطاقة وأنظمة التغذية المرتجعة، كما أن عملية تشفير وتخزين المعلومات مبنية على نظرية الأعداد.

فالرياضيات علم مستقبلي يستطيع أن يسبق كل العلوم الأخرى. وعلى ذلك يمكن القول بلغة فصائل الدم بأن «الرياضيات فصيلة مُعطٍ عام» فهي تخدم جميع العلوم وتأثيرها لم يظهر عليها بل على العلوم الأخرى. إذن لماذا يسأل طلابنا هذا السؤال عن الرياضيات ولم يسألوا عن باقي أفرع العلوم. ربما تكون الرياضيات ماده جافة تحتاج إلى وسائل ملموسة من البيئة لتوصيل الفكرة للطلاب. كما أن كثيراً من الطلاب يخشى عملية المحاولة لفهم الفكرة فيتكون عنده شعور بصعوبة المادة. وأيضاً الكثير من الطلاب يشعر بفجوة شديده ما بين ما يدرسه في الرياضيات وبين الحياة العملية، وعلى ذلك تقع المهمة الكبرى على عاتق مدرس الرياضيات بربط الدرس بالواقع حتى ولم بمثال بسيط.

أخيراً؛ اتفقنا أن الرياضيات علم مستقبلي مُعطٍ عام، فلماذا تحرم نفسك من متعة دراستها، ليس من أجلها بل على الأقل من أجل تحسين مهاراتك الشخصية كي تستطيع أن ترتب أفكارك وأولوياتك في اختياراتك الحياتية وسيأتي يوم تعشق فيه الرياضيات.

* أستاذ مساعد بقسم الرياضيات - كلية العلوم - جامعة البحرين