لقد شهد العالم تطوراً مذهلاً في تكنولوجيا المعلومات في جميع المجالات التي أتاحت الفرصة لسرعة ودقة اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب. ومن بين أهم هذه المجالات هي العمليات الحسابية المعقدة التي تتم خلال الحاسوب الذي نعرفه والذي يطلق عليه الآن الحاسوب الكلاسيكي. ونظراً لتدفق المعلومات اليومية بكثرة يجعل من الصعب إجراء العمليات الحسابية التي يحتاجها الشخص أو المؤسسة المعنية بسرعة وبدقة عالية وأكثر أماناً بحيث لا يمكن اختراقها. وبناء على هذه المعطيات فإن الشركات العالمية الكبرى في مجال الحوسبة تتنافس في إنتاج ما يسمى اليوم بـ «الحوسبة الكمية»، أو «الحاسوب الكمي»، لما سيكون له تأثير

في إحداث ثورة في مجالات التعليم الآلي. ولقد تنبأ كين أولسن، المدير التنفيذي لإحدى هذه الشركات في سبعينات القرن الماضي «أنه لا يوجد أي سبب على الإطلاق لأي شخص أن يقتني جهاز حاسوب في منزله»، ولقد بنى كين رأيه على نموذج الحوسبة السحابية حيث تعتمد الحسابات على الخوادم البعيدة. ولقد تحققت نبوءة «كين» حيث يتجه عالمنا الآن بشكل متزايد على الحوسبة السحابية.

والسؤل الذي يطرح نفسه الآن، هل يتم تصنيع أجهزة الحاسوب الكمي بنفس العمليات التكنولوجية التي يتم بها تصنيع الحاسوب الكلاسيكي؟ هناك فئتان من أجهزة الحاسوب الكمي، إحداهما مبنية على استخدام وحدات فائقة التوصيل، والتي يتم تصنيعها باستخدام تكنولوجيا الدوائر المتكاملة من النيوبيوم والألمنيوم، تحت درجات حرارة منخفضة جداً. والفئة الأخرى، تستخدم الضوئيات السيليكونية، والتي تولد فوتونات متشابكة فائقة التوصيل. ولقد توصلت شركة IBM حديثاً إلى إنتاج حاسوب كمي تجريبي سعته 20 كيلوبايت. أما اللغة التي تستخدم في الحاسوب الكمي هي لغة تشبه لغة البرمجة المعروفة بلغة «سي C»، «مما يجعله مميزاً في قدرته على التعرف على البيانات الكلاسيكية التي يستخدمها الحاسوب الكلاسيكية والمخزنة في الـ «0» أو «1» والبيانات الكمية المخزنة في الـ «0» و الـ»1» في نفس الوقت والتي تسمى «كيوبت».

وقد يسأل القارئ هل هناك أجهزة حاسوب كمية تم إنتاجها الآن؟ الإجابة، نعم هناك أجهزة كمبيوتر كمومية أساسية في العديد من المعامل في جميع أنحاء العالم. على سبيل المثال تعمل شركات Microsoft، IBM ،Google على تطوير أجهزتها وذلك بضخ استثمارات هائلة في هذا المجال. كما إن هناك أيضاً أجهزة حاسوب كمية متاحة لعامة الناس، تم بناؤها بواسطة شركة كندية تسمى D-Wave، وتكلفتها 15 مليون دولار.

من ناحية أخرى، تعتبر المعلومات المتداولة عبر الحاسوب الكمي أكثر أماناً من الحاسوب الكلاسيكي، لأنه ببساطة شديدة بمجرد إجراء العملية الحسابية يتم تدمير الدوائر التي تمت بها العملية وبناء عليه لا توجد معلومات مخزنة عليه وبالتالي لا يمكن الحصول على أي معلومات باستخدام أي برنامج تسلل. وتتمثل الصعوبة في إنتاج الحاسب الكمي حول كيفية إنشائها تحت درجات حرارة منخفضة جداً ثم قياسها وتدميرها وتكرارها لإجراء عمليات أخرى.

أخيراً، يمكن القول بأن تكنولوجيا الحوسبة الكمومية لديها القدرة على تغيير الديناميات في الشؤون العسكرية، والتجارة، وتوازن القوى الاستراتيجي، حيث تتخذ حكومات مختلف البلدان مبادرات لتوسيع نطاق البحوث الاستكشافية بشأن تكنولوجيات الحوسبة الكمومية لتطوير وإنشاء حلول لها. كما تساعد الحوسبة الكمومية في معالجة الطاقة ونقلها، وستكون قادرة على حل المشكلات المعقدة بشكل أسرع من الحواسيب الفائقة الكلاسيكية الثنائية الحديثة. ويستثمر عملاقة التكنولوجيا الرئيسون في جميع أنحاء العالم المزيد من الموارد ويزيدون استثماراتهم في مجال البحث والتطوير، بهدف الاستفادة من الفرص التجارية للحوسبة الكمومية في القطاعين الحكومي والخاص.

* قسم الرياضيات - كلية العلوم - جامعة البحرين