في هذه الأيام يتكرر على أسماعنا ما يسمى بالمدن الذكية وفى الحقيقة لا يوجد تعريف واضح للمدن الذكية فمنها من يهتم بعملية التصميم ومنها ما يحددها بأنها أفضل مدن تجارية، ومنها من يعتبرها المدن التي تتوافر بها تكنولوجيا الخدمات اليومية. يعرفها مارك ديكين بأنها مدينة تستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتلبية مطالب مواطنيها، وأن إشراك المجتمع في العمليات يعد ضرورة لمدينة ذكية. وعلى ذلك لا يوجد تعريف ملموس ومقبول لما يشكله مفهوم المدينة الذكية، ونظراً إلى الافتقار إلى تعريف محدد فهذا الذي دفع مثل هذا المفهوم الضبابي إلى الظهور في جميع أنحاء العالم.

وفي هذا الصدد نتناول اتجاهاً من اتجاهات تطوير المدن الذكية وهو شبكات الاتصالات والدور الذي تلعبه بعض قوانين ميكانيكا الكم في عملية إنشاء شبكات إنترنت لاسلكية والتي تسمى «شبكات لاسلكية كمية». وهذه الشبكات تشبه الشبكات التي تستخدمها الشركات التي تقدم خدمات المحمول والإنترنت حالياً. ومن خلال هذه الشبكات يمكن أن يتم إرسال المعلومات بين مستخدمي الشبكة الكمية ويمكن كذلك ترميز وتشفير المعلومات المتداولة. وهذه الشبكات توصف بمجموعة من الجسيمات التي قد تكون فوتونات - إلكترونات أو نقاط كمية «Quantum dots»، وهذه الجسيمات مترابطة معاً ترابطاً كمياً. كما إن هناك مصدراً يمد المستخدمين بهذه الجسيمات بشكل مستمر.

في هذا المقال سنتناول عملية إرسال المعلومات بين مستخدمي الشبكة الكمية اللاسلكية والتي تتم باستخدام بروتوكول يسمى «Teleportation» أو «بروتوكول نقل المعلومات عن بعد»، وهي تقنية يمكن أن تغير مسار الحضارة وتغير مصير الأمم. إنه موضوع شائع في أدب الخيال العلمي والأفلام وألعاب الفيديو والتلفزيون، حيث يمكن نقل شخص أو جسم على الفور من مكان إلى آخر. ففي هذه الأيام لم يعد ذلك خيالاً بل أصبح حقيقة حيث تتم العملية بأسرع من سرعة الضوء. وهذا شق من سرية تداول المعلومات حيث إن الزمن سيتجمد وبالتالي لن يكون هناك فرصة للمتلصصين للحصول على هذه المعلومات. ففي عام 1993 انتقل المفهوم من عالم الخيال المستحيل إلى الواقع النظري. وأكد الفيزيائي تشارلز بينيت وفريق من الباحثين في IBM أن النقل الكمي ممكن، ولكن فقط في حالة تدمير الكائن الأصلي الذي يتم نقله عن بعد حيث يجب أن تصبح النسخة هي النسخة الأصلية الوحيدة المتبقية. ومنذ ذلك التاريخ يستمر العمل بطرق مذهلة مع فرق بحثية تشمل باحثين بين عناصر الاتصالات السلكية واللاسلكية والنقل والفيزياء الكمومية.

ولتوصيل المعلومة للقارىء غير المتخصص بشكل بسيط. نفترض أن أحد مستخدمي الشبكة الكمية أعطى معلومات لم يعرف محتواها «وهذا الشيء الجميل في هذه التقنية» وكان المطلوب منه أن يرسلها لشخص آخر مرتبط معه بوصلة كمية لاسلكية. يقوم الراسل بعملية مسح دقيقة لهذه المعلومات «Scanning» إلى أن تتلاشى هذه المعلومات من عند الراسل الذي يقوم بدوره بإرسال نتيجة المسح «data» إلى المستقبل، والذي يمتلك جهاز حاسوب يعيد بناء المعلومات. ونتيجة لهذه العملية لم يعد مستخدما الشبكة مرتبطين معاً. وهذا أيضاً شق من سرية المعلومات حيث لم يستطع المتلصص أن يعتدي على الوصلة الكمية لأنها تدمرت بالفعل. أما إذا تمكن من الحصول على البيانات المرسلة «data» فلن يستفيد منها لأنها مجرد قياسات لم تمكنه من الحصول منها على أي شيء لمعرفة حقيقة المعلومات المرسلة.

وقد يسأل سائل، هل تم استخدام هذه التقنية. الإجابة نعم حيث تمكن الفريق الذي يعمل على القمر الصناعي Micius، الذي تم إطلاقه في عام 2016، من إنشاء شبكة كم-أرض-أرض، والتي استخدمها القمر الصناعي هو مستقبل حساس جداً للفوتونات ومفيد لاختبار تقنيات الكم مثل التشابك والتشفير والانتقال عن بعد. كما تم عرض تقرير في عام 2017 أفاد بأن علماء صينيين نقلوا الحالة الكمية للفوتون من الأرض إلى فوتون آخر على قمر صناعي في مدار أرضي منخفض، على بعد حوالي 1400. ولم تقتصر هذه التقنية على نقل المعلومات فقط أو الجسيمات بل هناك أبحاث تم تحقيقها معملياً في نقل الطاقة والشغل الميكانيكي. كما تم نقل الطاقة النظيفة المتولدة من النبات من مكان إلى آخر.

وعلى ذلك لك أن تتخيل عزيزي القارئ شكل مدينتك الذكية التي يتم التنقل بين أرجائها في الأوقات بدون ازدحام مروري. يمكنك التحدث مع مشتركي الشبكة الكمية بشكل آمن، يمكنك إرسال أي معلومات إلى أي شخص متصل معك على الشبكة الكمية اللاسلكية في سرية تامة. ليس فقط تستمتع بحديقة منزلك بل تنقل الطاقة الخضراء إلى أي مكان ترغب به لتشغيل مصنعك. هذا كله بفضل التشابك الكمي الذي أطلق عليه أينشتاين «الفعل المخيف عن بعد» للتعبير عن قلقه من نقل المعلومات.

* أستاذ مساعد بكلية العلوم قسم الرياضيات – كلية العلوم – جامعة البحرين