بردٍّ مقتضبٍ جداً جداً، وبنفس مسدودة لكثرة التكرار ردَّ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي على ما أُثير بشأن دعم الهيئة لشركة طيران الخليج «إنه سبق للهيئة نفي الموضوع والردّ على النواب والتوضيح لهم أن ذلك غير صحيح، وأن الهيئة لم تقدم أي دعم أو قروض للشركة».

والله لا ألومه على هذا الرد المختصر إذ أصبحَ الادعاء دون دليل وتكرار المعلومات المغلوطة هما السائدين والمنتشرين، وهما القاعدة، وأصبح البحث عن الحقيقة هو العملةَ النادرة.

تصحيح المعلومات المغلوطة التي يتم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي أصبح مملاً، ومن يقوم به يفعله و«نفسه مسدودة» كما يقال لكثرة تكراره دون فائدة، هذا إنْ تعنّى أحد و قرأ التصحيح.

والأدهى أن من ينشر المعلومات المغلوطة هو الآخر يكررها مع علمه بغلطها، لكنه يفعلها وهو مستلقٍ على ظهره، ولربما كان ممسكاً بهاتفه في المنزل وأصابعُ يده تعبثُ بأصابعِ قدَمِهِ، وباليد الأخرى يسلك أسنانه بالمسواك.. ربما، فيقولها وينشرها دون حماس، ويُرفِقها بقوله إنها من المعلومات التي باتت معروفة!!

والناس ذاكرتهم كذاكرة الذبابة، كلما قرؤوا تلك المعلومات ولْوَلُوا وصرخوا وكرروها وأعادوا نشرها دون أدنى جهد للتحقق بأنفسهم في مدى صحتها.

العملية كلها تحولت إلى فاصل فكاهي فعلاً، ذكرني بخوف الوالدة، الله يحفظها، إبان حرب تحرير الكويت حين كان المذيع التلفزيوني بصوته الجهوري يقول لنا «زاااال الخطر»، فتصرخ أمي «هكُو يقولْ زادْ الخطرْ»! ونقضي وقتاً لتهدئتها وتصحيح المعلومة لها.

اليوم لا أحدَ معنيٌّ بتصحيح المعلومات المغلوطة، بل علينا أن نتعايش معها تماماً مثل «الكورونا»، فهي لكثرتها ولكثرة أعداد من ينشرها جعلت عمليةَ التصحيح مملةً وعبثية، والظاهر أن القرار الذي اتخذ عرفياً بين الناس أو بين من يطولهم التضليل، هو دعه يمر فلا أحد معنيٌّ بالحقائق، الناس يصدقون ما يريدون أن يسمعوه.

بعيداً عن قانون التقاعد أو وجاهته من عدمها، إنما أقف عند ما تمّ الترويج له، وقيل إنه سبب من أسباب القصور التي يعاني منها صندوق التقاعد، والمتمثلة في قصة أن هناك مبلغاً أخذته الحكومة من صندوق التقاعد، ومنحته لطيران الخليج وقيمته 700 مليون دينار.

قالها أحد النواب، وأعقبها بقوله إن هذه المعلومة معروفة، وكتبت في الصحافة حينذاك!!

يذكرني هذا الأمر ببعض الملالي الذين يطلقون صواريخَ لا تُصدق، ويعقبونها بقولهم «هذا موجود في كتبهم»!!

ومن ذاكرتنا المعطوبة التي تم تنشيطها أذكر أنه دار جدلٌ حول هذا الموضوع عام 2010، وتم تصحيح المعلومة المغلوطة منذ ذلك الوقت، فعززنا معلوماتنا بالعودة للصحافة حول ما كتب عن صندوق التقاعد وطيران الخليج في تلك الحقبة والذي أكد أنّ ما علق بالذاكرة صحيحٌ وهي أن الحكومة، وليس صندوق التقاعد، هي من منح الشركة اعتماداً لها في الموازنة بمبلغ 400 مليون دينار، أي إن المبلغ لم يؤخذ من صندوق التقاعد. ومن أراد أن يتأكد يمكن أن يعود لأرشيف الصحافة، وبإمكانه أن يقوم بذلك بسهولة عبر «عمّنا جوجل».. إنما من سيفعل ذلك؟

الناس يريدون أن يصدقوا أنه «زاد الخطر»، وليس كما قال المذيع فعلياً «زال الخطر». وعلى هذا الأساس فالناس سيتكفلون بنشر المعلومة المغلوطة، ويزيدون عليها التحسّبَ والدعاءَ على من أخذ 700 مليون ولم يرجعْها!!

ومن قال المعلومة المغلوطة لن يكلف نفسه بتصحيحها مادام الناس صفقوا له بسببها، فهل يرد الخيرَ الذي ناله منها؟

الخلاصة، لا الذي ينشر معلوماتٍ مغلوطة يتردد أو يفكر مرتين لأنه يعرف ماذا يريد الناس أن يسمعوا فيعطيهم على ما يشتهون وهو متيقن أن لا أحدَ سيحرجه أو يطالبه بالاعتذار فهو محمي بالرغبات الشعبية، ولا الناسُ معنيون بالحقائق فهم يريدون أن يصدقوا ما تطرب له آذانهم، ولا حتى صاحب الحق معنيّ بالتصحيح، إنما يفعله مِن دون نفس من اليأس، فقد استسلم وقريبا وبعد عدة سنوات في أدوار فصول تشريعية جديدة سيأتي من يكرر ذات المعلومة، وسيتحسّب الناس، ويدعون على الحكومة التي أخذت «مليار» دينار من صندوق التقاعد، ولم ترجعها. وحينذاك سترد الهيئة العامة للتأمينات نعم أخذناها فعلاً، أي مثلنا حين نيأس من التصحيح نقول نعم مثلما سمعتم المذيع قال «زاد الخطر»!