الحكمة التي قالها سمو الأمير خليفة بن سلمان رئيس الوزراء يوم أمس بعد اجتماعه بلجنة خاصة، لتقرر كيفية رسم سياسة خارجية بحرينية جديدة تعمل على تأسيس قاعدة خليجية مشتركة للتعاطي مع الإدارة الأمريكية الجديدة، هي أن تكون السياسة البحرينية ضمن سياسة خليجية موحدة.

صحيح أن درجة التنسيق عالية جداً بين وزراء الخارجية الخليجيين، لكن المستجدات التي طرأت على العلاقات الأمريكية الخليجية ومرت بها بمنعطف خطير إبان حكم أوباما أثرت بشكل غير مسبوق على طبيعة تلك العلاقة إن لم تكن نسفتها من الأساس الذي بنيت عليه وهو «الثقة»، تستدعي أخذ الأمر بمزيد من الجد والعمل والتشاور.

لا حاجة للتذكير بما حدث في تلك الفترة ولا حاجة للتذكير بما هو أهم بأن دول الخليج تلقت درساً قاسياً جعلها تعيد النظر في مسؤولية أمنها واستقرارها بعيداً عن القطب الأمريكي، إما بتنوع سلة خياراتها من الحلفاء، أو بتسليح وتأهيل جيوشها، وهذا ما ترتكز عليه مستقبلاً ولن يتغير، وكأن ذلك المنعطف في التحول في العلاقات الأمريكية الخليجية يندرج تحت باب «رب ضارة نافعة». إنما تبقى المصالح المشتركة بين دول الخليج بعضها بعضاً من جهة وبينها وبين الولايات المتحدة من جهة أخرى من الثوابت التي ترتكز عليها تلك العلاقة التاريخية، ولذا فإن إدارة جديدة بنفس جديد بخطاب جديد قادمة للبيت الأبيض وهي أحد المتغيرات التي تستدعي وبشدة دراستها وتقرير الموقف الذي تتطلبه بشكلٍ متأنٍ ويأخذ بجميع الآراء ولا يترك لردات الفعل أو لاجتهادات فردية وهذا ما فعله سمو الرئيس بعقد اجتماع عمل يرسم سياسة الدول الخارجية المستقبلية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية مؤكداً على أهم ركائز تلك السياسة أنها تأتي ضمن المنظومة الخليجية، فلا طائر يحلق بعيداً عن السرب في هذه المرحلة الحرجة، ولا إشارات تصدر متضاربة لتلتقطها الإدارة الأمريكية -أو غيرها- تظهر وكأن هناك تبايناً في المواقف بين الدول الخليجية تجاه التهديدات الإقليمية، الأمر لا يتحمل أي استهانة بأي كلمة أو إشارة تشتت الموقف. نحن أمام إدارة ممكن أن نضع 60 إلى 70% من خطابها يتفق مع مصالحنا حتى اللحظة، خاصة فيما يتعلق بالموقف من إيران وخطر عربدتها في المنطقة.

ولكن موقفها من الملف السوري يتناقض تماماً مع مصالحنا، فترامب يعتمد على سياسة ترك الأمر لروسيا لتنظيف سوريا من تنظيم الدولة، وترك الأمر هكذا مكتفياً بدعم فكرة منطقة آمنة تتحمل الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولية تأمينها، سياسة ليست كافية لرسم مستقبل المنطقة وبالتالي رسم منطقة الأمن الدولي برمته. فإيران تتمدد هنا وتتمرد حتى على اتفاقية وقف إطلاق النار وترفض المغادرة بعد تحرير سوريا من داعش، وهذا يتطلب تحركاً دبلوماسياً خليجياً مشتركاً مع تركيا ورسم سياسة موحدة تجاه الملف الإيراني بجميع تقاطعاته في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وبالتأكيد في الخليج.

السياسة متقلبة والمصالح كذلك وما لم نكن نحن المبادرين في تحديد وتوحيد موقفنا ككتلة صلبة لا ثغرة بينها، فإن غيرنا سيسبقنا وسيستغل كل إشارة تبدو وكأن هناك تبايناً في المواقف. ولا أحد يعلم مدى ثبات ملامح السياسة الخارجية التي تبدت في خطاب ترامب ولا أحد يعلم مدى تراجعها أو تقدمها، فلنتذكر أننا نخطو خطى جديدة بالفعل لا ترتكز على ثوابت تاريخية أبداً. «فترامب» وإن كان محسوباً على الحزب الجمهوري إلا أن استقلاليته عن الحزب مالياً ومعارضة العديد من أقطاب الحزب له أثناء حملته الانتخابية، تركت له مساحة كبيرة للتحرك في ملف السياسة الخارجية بعيداً عما عهدناه من ثبات لسياسة الحزب الجمهوري، وذلك يعزز فكرة عدم التنبؤ بما يدور في ذهنه.

من جهة اختياره لفريق عمله اختياراً يتوافق مع مصالحنا فهم رجال عملوا في المنطقة ويعرفونها جيداً، وأبدوا استياءهم من السياسة الأوبامية الكارثية، إنما من جهة أخرى نحن أمام رجل متقلب كسر كل القواعد المعروفة السابقة. جميع تلك المعطيات تستدعي بالفعل عقد اجتماع عمل لرسم خطواتنا المستقبلية بوعي وإدراك لها دون تفاؤل مفرط أو تشاؤم، كما تستدعي عقد اجتماع عمل خليجي لوزراء الخارجية لتعزيز التكتل والتحرك المشترك.