من جديد تصلني قضية جديدة يطالبني أصحابها أن أثيرها في المقال لأن القضية قضية رأي عام، علّ الدولة تتحرك لوقف هذا العبث وهذه الفوضى المسماة "البيع بالتقسيط" أو "التسهيلات"، والتي من المفروض أنها تتم بإشراف الدولة التي من المفروض مرة أخرى أنها الجهة المسؤولة عن تنظيم عملية شراء سلعة ما عن طريق وسيط يبيعها لك بالتقسيط المريح جداً وبلا مبلغ مقدم.

لكن العبث الحاصل أن الدولة تترك المشتري ضحية لتحكم المرابين بلا ضوابط كي يحتسبوا الأرباح بطريقتهم الخاصة بلا سقف، بحجة أن الدولة تحمي السوق الحر والاقتصاد الحر، وكأن الحرية هي الجشع بلا حدود.

قضيتنا هذه المرة لشاب اشترى من "مرابي" أربعة هواتف لا يزيد سعرهم عن ألف دينار، ولنقل ألفي دينار في أفضل الأحوال، وصلته إحضارية قبل يومين تطالبه بدفع مبلغ 1800 دينار! تخيلوا حجم الجشع والاستغلال والإجرام، وكله (بالقانون)، بل سولت له نفسه أن يرفع دعوى وتضطر المحاكم أن تقبلها حتى لو كان المشتري قد دفع الألفين زيادة، فقط لأن بين البائع والمشتري "عقد" ومستندات وكمبيالات هنا يقف القانون عاجزاً أمام هذا الجشع لأن اقتصادنا حر!!

يحدث هذا لأن السوق حر، والاقتصاد حر، وبين الشاري والبائع عقد والعقد شريعة المتعاقدين، بهذه القواعد الثلاث وتحت مظلتها ازدهر سوق المرابين في البحرين وأصبحت له شركات ومؤسسات وسجل تجاري، وتمادوا في غيهم وجشعهم بلا رادع قانوني، وتحت حماية الدولة ورعايتها وتحت سمع وبصر المنظومة التشريعية وسمع وبصر الحكومة ومؤسسات إنفاذ القانون والمحاكم والقضاء، لدرجة لم تردع صاحب الدعوى أو تخجله فجاهر بها مطالباً ب 18000 دينار ثمانية عشر ألف دينار مقابل سلعة لا يزيد سعرها حين بيعها عن ألفي دينار... هل يُعقل أن يتم ذلك تحت سمع وبصر الدولة؟

حين سألت أحد المسؤولين ما الحل وهذا المرابي قد عاد لاستئناف نشاطه على (عينك يا تاجر) رغم كل الملاحقات القانونية لوقفه، بل رغم القبض عليه وإدانته لكنه كان يخرج في كل مرة ويمد لسانه للدولة لأن القانون في صفه، فأجاب وأزيدك من الشعر بيتاً، هو الآن في حماية القانون، لأن المحاكم تعتبر نشاطه "معاملة تجارية" والقانون لا يحمي من لا يقرأ بنود العقود التجارية ومن لا يسأل عن تبعات الشراء بالتقسيط، أو معنى كمبيالة أو سند، وهذا المرابي لم يضرب أحداً على يده!!

مسؤول آخر أجاب:

لابد من وجود التنظيمات القانونية التالية:

١- تنظيم البيع بالتقسيط.

٢- تنظيم تراخيص للجهات التي تمنح ائتماناً أو تسهيلاتٍ أو قروضاً.

٣- تنظيم سعر الفائدة في القروض التجارية والبيع بالتقسيط.

٤- تنظيم السجل الائتماني للأشخاص.

كثيرون استغلوا هذا الفراغ التشريعي وأصبحوا (قروش القروض) loan sharks واستغلوا عدم التنظيم في المراباة.

مجلس الشورى يحاول أن يسد هذا الفراغ التشريعي، وهو بحاجة لدعم الحكومة خاصة وزارة التجارة ومعه المصرف المركزي إن كان هناك قروض مالية، لابد من موافقة ذوي الاختصاص والجهات التي تمنح التراخيص، ودون قناعة الحكومة كاملة بوجود فراغ تشريعي، فإنه سيتعطل وستوضع له العراقيل بحجة أننا نحمي الاقتصاد الحر! حينها لا عزاء لضحايا الإجرام والجشع فلا قانون يحميكم بل نحن دولة تحمي المرابين !!