كلما شاهدت قدرات الأمريكيين على الضغوط على الأنظمة واستخدامها لأي وسيلة للسيطرة والهيمنة عليهم وعلى شعوبهم رفعت العقال لجلالة الملك ولشعب البحرين الذي بقي شامخاً رافضاً متمسكاً بقناعته وبشعبه وبأرضه.

أفغانستان أحدث الأمثلة وأكثرها معايشة الآن، كيف دخلها الأمريكان؟ دعوا عنكم الحجج التي برروا فيها وجودهم هناك، فهذه الحجج تتغير وفق المكان والزمان، المهم أنهم دخلوا أفغانستان وسيطروا على النظام السياسي هناك وأخضعوه.

ما هي وسيلتهم أيضاً لا يهم، عملاء من الداخل، فساد، قوة غاشمة واحتلال عسكري، كلها مجرد وسائل، والحجج لا تهم، المحصلة النهائية نظام ينفذ ما يؤمر به، حتى لو ضحكوا عليه وقالوا له ستصبح زعيم العرب كأخينا الذي في الشرق كاشيرهم، فصدقهم وفتح بلده ملاذاً لكل أفّاق وهارب وإرهابي كي تكون مقراً لمفاوضاتهم يسترون بها عوراتهم! طبعاً بالإضافة إلى أمره بتمويل هذا والصرف على ذاك والأخ حاضر وسمعاً وطاعة!

ضغوط ووعود وتهديد استخدمت لإخضاع أكبر الدول وأقواها بمسميات سياسية، وقف الدعم تارة، الأمر المباشر تارة أخرى، سحب الأساطيل مرة، وجميع تلك الوسائل وأكثر منها استخدمت من إدارة أوباما على البحرين وصمدت!

قالت لا حين فضّت التجمع، وقالت لا حين طردت نائب وزير الخارجية، وقالت لا حين استدعت درع الجزيرة، وقالت لا حين طُلب منها الجلوس مع الوفاق أمراً من على منبر الأمم المتحدة، أوقفوا شحنات للأسلحة، هددوا السعودية، دعموا مجموعة الخونة بشكل تعتقد أن من يجلسون معهم كانوا جنرالات عسكرية نفخوا فيهم ومنوهم بالحكم، واستأذنوهم ببقاء الأسطول والاتفاقيات الأمنية، والمسكين صدق نفسه وبدأ يعطيهم الاتفاقيات، وانتفخوا حتى وصل بهم الأمر أنه حين قدمَ لهم عرضاً من سبع نقاط للحلول الوسطية، قال منتفخ الأوداج الجنرال زعيم «وعد» فات الأوان! يقول فات الأوان!

هذا حدث قبل عشر سنوات، ولو أن البحرين خضعت ملكاً وشعباً لهذه الحفنة وخضعت لأقوى دولة كانت تهددها حين ذاك، لكان مصير ذاك الذي قال «فات الأوان» معلقاً بإطار الطائرة التي تنقل المتعاونين مع الأمريكان، مثل ما شاهدنا الأفغان الهاربين من طالبان، ولكنا رأينا طائرات الشحن محملة بالمجموعات التي أرادت تقديم البحرين على طبق من نحاس لأجنبي أملاً وحلماً بالسلطة، لكن البحرين الصغيرة حجماً العظيمة شأناً قالت لا، بعلو الصوت.

لا لمشاريعكم، لا لديمقراطيتكم المزعومة، لا لوعودكم، لا لتدخلكم، لا لمخططاتكم، لا لرؤيتكم المعوجة للحقوق الإنسانية، لا، لإعلامكم الذي لم يبقِ ولم يذر وصوّر البحرين على أنها سجن قمعي مخيف، كلها وسائل لم تخضعنا ولم تجعلنا ننحني، لا البحرينيون كشعب ولا جلالة الملك حفظه الله و رعاه.

كل مشهد من مشاهد الدمار والخراب وكل مشهد للفرار الجماعي والفوضى والارتباك في كل الدول التي تدخلتم بها تعيد للذاكرة أحداث 2011، وتذكرنا بأن نحمد الله ونشكره لأننا لم نخضع.

دعونا من زخم التحليلات الخاصة بأفغانستان المهم بالنسبة لنا في البحرين هو ماذا نستخلص من هذه الأحداث ونتيجتها النهائية، بغض النظر عن كونها مسرحية مرتبة بين طالبان والأمريكان لتسليمها السلطة بهذا الشكل، أو أن الفوضى حقيقية والارتباك والتخبط الأمريكي حقيقي والنتائج غير متوقعة بهذا الشكل، المهم وما يعنينا الآن أن قرار الانسحاب خلف وراءه ضحايا مثل ما كان قرار الاحتلال مخلفاً ضحايا قبل عشرين عاماً، والضحايا في الحالتين أفغان بالملايين، هؤلاء من يجب أن ينشغل العالم بمصيرهم بدلاً من الانشغال بالدور الأمريكي، فإن لم يكونوا ضمن الحسبة والاعتبار الأمريكي حين دخلوا كما يقول بايدن «لم ندخل لبناء دولة» فإنهم لن يكونوا في اعتباره حين ينسحب!

والكلمة قبل الأخيرة نقول لتلك المجموعة وغيرها ممن يحلم بلعب دورهم مرة أخرى، ضعوا كلمة جو بايدن حلقة في آذانكم وركبوها سماعات داخل آذانكم قال «لم ندخل لبناء دولة» هذا أصدق ما قاله فهم يدخلون لخراب دولة لا لبنائها.

أخيراً فخورة جداً وكلي اعتزاز أن أنتمي لدولة شجاعة قالت لكم لا، ولا تعتقدونها سهلة أبداً، فانظر من يقولها ولِمَن.. والله كفو عليج يا البحرين.