بعض المقاربات تدهشك لأنها قد لا تخطر على بالك إنما يلتقطها ذوو البصيرة ومن كابد الألم.

هذه خاطرة لأختي وصديقتي د. منى الشرقي وهي من المتعافين بإذن الله من فيروس كورونا أرسلتها لي فأعجبتني واستأذنتها في نشرها وأجابت أنها أقل ما تقدمه كشكر لزملائها من الأطباء ومن الفريق الطبي بممرضيه ومسعفيه وفنيي المختبرات ولسائقي سيارات الإسعاف وللإداريين ولجميع من يقوم بهذا الجهد الجبار من أجلنا ومن أجل البحرين.

وهي تنبيه لنا كأفراد وحتى كدولة ومؤسسات لأهمية إعادة ترتيب أولوياتنا من جديد من قبل عهد كورونا إلى عهد بعد كورونا، حيث تغيرت نظرتنا للأمور وتراجعت أهمية أمور وتقدمت أهمية أمور أخرى.

كتبت د. منى الشرقي تقول وأنشر خاطرتها كما هي بعفويتها وتلقائيتها:

«سبحان مغير الأحوال من حال إلى حال..

زمن كورونا غير نظام حياتنا كلنا..

غير عاداتنا وأطباعنا..

غير أولوياتنا في الحياة..

معظمنا أولوياته كانت المادة، البيوت الحلوة، الجمعات الأسبوعية، السفرات السنوية، اقتناء أحدث الماركات وغيرها وغيرها من الأشياء إلي كانت بالنسبة لنا واجب ولازم انحققه.

سبحانك يارب كل هاذي الأشياء تغيرت بإرادتك وقدرتك وأصبحت ثانوية أو حتى ما تفكر فيها حالياً، هي الصحة ثم الصحة ثم الصحة أصبحت من أهم الأولويات في هاذي المرحلة.

حتى المباني ما سلمت من التغيير، أرض المعارض ارتبط عندنا بأهمها وبالذات معرض المجوهرات قاعه واحد ومعروفة لدخول VIP وتشمل أرقى الماركات العالمية للألماس والأحجار الكريمة وأرقى محلات الألماس واللؤلؤ والأحجار الكريمة في البحرين عند دخول القاعة تشم ريحة العود من كل ناحية ممزوجة بريحة الورود الطبيعية المنتشرة في كل جهة، غير عارضات الأزياء ولبسهن بأروع وأغلى أطقم مجوهرات لشد انتباهك للتوجه للشركة التابعات لها.

سبحانك يارب..

هاذي القاعة أصبحت مركزاً لعلاج مرضى كورونا.

مع دخول القاعة تشم ريحة المعقمات.

محلات المجوهرات أصبحت حجر تشخيص وعيادات ووحدات علاجات مؤقتة للجنسين وأشعة عارضات الأزياء والموظفون في معرض المجوهرات، أصبحوا كوادر طبية من أطباء وطبيبات، ممرضين وممرضات، وفنيي أشعة، مع المساعدين والمنظفين.

كلهم لابسين اللباس الأبيض كأنهم من أهل الفضاء حتى عيونهم اللي تنشاف بس

امغطيه بحاجز بلاستك بس تقدر تقرأ الابتسامة والرضا من عيونهم.

بالنسبة لي هم الآن أحلى من الورود البيضه المتحركة في القاعة.

يعطونك من وقتهم وصحتهم من غير ما يفكرون بصحة أقرب الناس لهم، يعطونك

الأمل والعلاج من غير مقابل ويودعونك بابتسامتهم.

ربي يحفظ الكوادر الطبية في كل جهة على مملكتنا الغالية وكل العاملين معهم وجميع الوزارات المشاركة في هذا الميدان» انتهى.

أثني على كلامها وأؤكد بأن جرعة الدواء تشتريها وتدفع لها كل ما لديك وكل ما تملك من مال فقط حين تشعر بالألم، لأن أولوياتك تتبدل حينها فتصبح جرعة الدواء أغلى من أي قطعة الماس وأثمن.

ومقاربتها لمركز المعارض كانت جميلة لفتت نظري حين أصبح الجيش الأبيض أجمل ألف مرة من عارضات الأزياء وقطع الألماس تتلألأ على صدورهن، فأصبحت ابتسامة تراها من وراء القناع لعيون الممرضات والممرضين أجمل ألف مرة، ورائحة المعقمات أزكى من رائحة الورود، فعلاً سبحان الله كيف تتبدل الأولويات.

لهذا نشكر الله أولاً على أن وطني البحرين بقيادة مليكنا حفظه الله وولي العهد رئيس الوزراء حرصا على حصول مملكة البحرين على كل ما هو متاح وموجود في العالم من دواء لهذا الفيروس ولم يبخل علينا هذا الوطن بشيء، والأهم أنه وفره لنا مجاناً ومتاحاً للجميع بغض النظر عن جنسه ولونه وحتى لو كان غير مواطن.

لا يشكر الله من لا يشكر الناس، اللهم شافي جميع المرضى، وأزل عنا هذا الوباء، واجلي عنا وارحمنا يا أرحم الراحمين، وصبر اللهم ذوي المتوفين وثبت قلوبهم إنك قريب مجيب الدعاء.