سلسلة مقالات سأكتبها عن مشروع تحصين الجبهة الداخلية المصرية لمواجهة الموجة الثانية من مشروع «الفوضى الخلاقة» مع استمرار سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة المكملة لسياسة أوباما.

مشروع متكامل الأركان أرادت رئاسة الجمهورية المصرية من خلاله أن يدرك المواطن العادي البسيط قبل النخب المثقفة بأن مصر تخوض حرباً تستهدف «الدولة» ولا تستهدف النظام وهناك فرق شاسع، وأن كل مواطن عادي ومدني مستهدف بحد ذاته في هذه الحرب لا القوات العسكرية أو الأمنية فقط، وأن كل فرد في مصر هو جندي مكلف في هذه الحرب ضد «الدولة» حفاظاً على مستقبله ومستقبل أبنائه من بعده.

أرادت رئاسة الجمهورية في مصر أن تحفظ للتاريخ بطولات أبنائها وتضحياتهم كي يقدر بقية الشعب النعمة التي ينعمون بها الآن وفي المستقبل، وأن تلفت انتباه الناس إلى دور أسر الشهداء والأبطال المشاركين بتلك المعارك التي تستهدف «الدولة» وتكرمهم لأنهم هم الجندي المجهول في هذه الحرب.

أرادت الرئاسة في جمهورية مصر أن تستبق الحدث وتبادر بدلاً من أن تنتظر لتقوم بردة فعل قد تكون متأخرة كما حدث في الموجة الأولى، أرادت أن يناقش فكر الجماعات الدينية والغوص في منهجهم والرد عليهم علناً أمام الرأي العام لا في غرف التحقيق الأمنية فقط، وفي ذات الوقت كي تكشف سر اللعبة وتقضي على ورقة «الدين» المستخدمة والموظفة في هذه الحرب، فكل فكرة يضلل بها الشباب وتغرر بها عقولهم، هناك رد، ورد مقنع يفندها ويكشف ضلالها، هناك فكر مستنير يستطيع أن يهزمها، إنما لا يتاح لتلك الردود أن تنتشر وتقضي على الضلال، لأنها عادة ما تبث في ندوات ومحاضرات أو مقالات أو كتب لا تصل إلى الجماهير، فلم تكن وسائل الإعلام التقليدية «صحافة وبرامج تلفزيونية تقليدية» بقادرة على منافسة سرعة وسعة انتشار أفكار الجماعات الدينية، فكان لابد من التحرك السريع والوصول لقلب رجل الشارع وعقله.

ولأن تلك مهمة وطنية ضخمة ولأن تأديتها وإيصالها للجمهور يتطلب تعاوناً من عدة مؤسسات في الدولة يتجاوز فيها درجة التنسيق والعمل المشترك الرتم الرسمي المعهود بين تلك المؤسسات، لهذا أمرت رئاسة الجمهورية المؤسستين العسكريتين «الجيش والشرطة» أن يتوجها للإنتاج التلفزيوني ويشرفا على ذلك كي تصل رسالتهم للجماهير بلغة الدراما وببساطتها ولكن بعمقها الفكري.

وهكذا تم اقتحام مجال الإنتاج التلفزيوني ولعبت القوات المسلحة دوراً في المجلس الأعلى للإعلام، بالإشراف على المحتوى الوطني وبإنتاج عدة أعمال درامية تلفزيونية بجودة عالية وبتكلفة عالية موازناتها أكبر من موازنة الإعلام الحكومي أو حتى الخاص، تم فيها تزويد المؤلفين والمخرجين «بالمادة الخام» أي بملفات الحوادث الأمنية والمعارك الحربية التي خاضتها القوتان العسكرية والأمنية على الجبهتين ضد الجماعات الدينية، وأن تروى تلك البطولات في قالب درامي يصل إلى شغاف قلوب القاعدة الشعبية الجماهيرية كي تخاطبهم بلغتهم وتوظف فيها كل المؤثرات والأدوات الدرامية كي تبقى قصص تلك البطولات في ذاكرة الأطفال والشباب وتنقل للأجيال القادمة تماماً كما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية في هوليوود.

ومنذ رمضان 2019 مروراً برمضان هذا العام تعاونت المؤسسات الثلاث بتمويل مفتوح من المؤسستين العسكرية والأمنية وبإشراف منهما وكلفتا أضخم شركات الإنتاج وتم توفير لهم ما يطلبونه بتعاون تام من القطاعات العسكرية والأمنية فقدموا لهم الجموع وقدموا لهم الآليات والمعدات كي يمثلوا المعارك التي حصلت بالإضافة إلى المعلومات الاستخباراتية التي بالإمكان الإفصاح عنها بما لا يخل بمتطلبات الأمن والمتابعة، إضافة إلى التمويل المالي.

النتيجة اسأل عنها المصريين.

النتيجة أن أي فرد من فلول الإخوان بعد عرض تلك الأعمال، بات يخشى على نفسه أن يظهر بفكره الأخواني علناً بعد هذه الأعمال التلفزيونية، فقد أصبح فكره فكراً منبوذاً ومكروهاً على المستوى الشعبي، والأهم جداً أصبحت أدوات التفكير والمنطق للرد على المنهج المضلل متاحة لأي شاب بسيط بعد أن وصلت له على لسان أبطال المسلسل «الاختيار 1» ومسلسل «الاختيار 2» ومجموعة من المسلسلات كمسلسل «هجمة مرتدة» و«القاهرة كابول» وغيرها.

ارتفعت الروح المعنوية وتعززت أواصر الوحدة الوطنية بين الأقباط والمسلمين، وما عليكم إلا أن تشاهدوا نشيد «المنسي» وهو الضابط الذي استشهد بسيناء وردد من بعده قوات الصاعقة نشيد «قالوا علينا» الذي تقشعر له الأبدان، وشاهدوا نشيد «احنا مش بتوع حداد» لتشعر برغبة عارمة أن تكون مصرياً الآن وأنت الخليجي، فما بالك بشعور المصري ذاته؟

حقق الإنتاج أهدافه بالعمل على تحصين الجبهة الداخلية مستبقاً أي تحرك مضاد، ولهذا فإن ما صرف على هذه الأعمال الدرامية يستحق كل جنيه فيه، وكلفته مهما عظمت لا تصل إلى سعر آلية واحدة من آليات الجيش أو الأمن، لكنها تعطي نتيجة تحصينية ودفاعية مطلوبة وبشدة لمواجهة الحروب القادمة على كيان «الدولة».

هل وصلت الرسالة؟

يتبع..