في الأيام الأخيرة قبل الحظر الجزئي تسللت «مجموعتان دينيتان» خرجتا للشارع لتتحدثا باسمه من خلال ملفين مهمين، في محاولة لتنحية «الدولة» عنهما واسترجاع ما خسرته من حضور في الأعوام الأخيرة.

الملفان المقصودان هما ملفا «جائحة كورونا» وملف «القضية الفلسطينية».

وقبل أن نسترسل علينا التنبيه إلى أن مقالنا هذا لا يتطرق للسنة وللشيعة كطوائف أو معتقدات، فالحديث هنا تحديداً عن مجموعات حزبية، وتحديداً «مجموعة» تنظيم الإخوان و«مجموعة» تنظيم إيران في البحرين، وكلتاهما لا تمثلان لا السنة ولا الشيعة، فهناك فرق بين «المجموعة» والجماعة، وبين الجماعة والطائفة.

الأمر الثاني لا نتحدث عن حق الاعتراض أو النقد لأي من القرارات أو الإجراءات الحكومية، فسيظل ذلك الحق المشروع أحد صمامات الأمان لتحسين الأداء الحكومي، نحن هنا نحاول أن نساعد القارئ على التمييز بين هذا الحق المشروع «الاعتراض» وبين حراك تينك المجموعتين.

حراك المجموعات الحزبية واضح وضوح الشمس لمن يرصده، إنه حراك لخطف لقب «المتحدث الرسمي» للشعب البحريني ويهدف لبناء الحواجز بين المواطن و«الدولة» والدخول في مساحة الإزاحة.

لنتذكر فقط أن الهدف لتلك المجموعات عام 2011 كان إسقاط الدولة وليس إسقاط النظام فحسب، كما علقت اليافطات حين ذاك، وهناك فرق شاسع وكبير أيضاً، فإسقاط النظام لا يعني بالضرورة سقوط الدولة، إنما العكس هو الصحيح، وتلك المجموعات بشقيها تدربت على استهداف «الدولة» خاصة في الجزء الثاني من الربيع العربي.

لننتبه إلى أن المنهجية واحدة في التعاطي في الملفين «كورونا وفلسطين»، إذ تبدأ بالتشكيك بسياسة الدولة تجاههما، حتى لو استدعى الأمر تملقَ النظام -إلى حين- لتحييده، والهجوم على مؤسسات الدولة نسفاً وهدماً لكل ما تقدمه، فالخطوة الأولى تبدأ بعزل المواطن عن مؤسساته، وعزل النظام عن المواطنين، وتتقدم الصفوف للحديث نيابة عن الناس، إنها منهجية التفكيك المعروفة ومدرسة الفوضى الخلاقة الجديدة.

تعتمد المجموعتان الآن على أن هناك تذمراً من بعض سياسات الدولة في الملفين، وهو تذمر في حدود المشروع ومحق، فتتدخل بسرعة لتكتسح ساحة التعبير في وسائل التواصل وتنزل للشارع جساً لنبض الدولة إن كان مازال قوياً أو تراخى؟

المدخل حق التعبير وحق التجمع، والتركيز على نقاط التذمر، وما يفرقها أنها تنسف كل ما تقدم من قبلها وما تأخر، فيظهرون الأمر أن الدولة في البحرين ليست واقفة مع الشعب الفلسطيني، وأن فريق البحرين الوطني فاشل في مواجهة الجائحة، ولم يقدم ما يستحق الإشادة، فالتكتيك يبدأ بنسف تلك الإنجازات بكل وسائل التعبير والسخرية منها، ففي الملف الفلسطيني يطعن بالاتفاقيات مع إسرائيل وتصويرها على أنها ضد الشعب الفلسطيني، وفي الملف الثاني هجوم منظم وممنهج بشكل واضح وجلي على فريق البحرين بنسف ما تقدم من إنجازه وما تأخر..

في الملف الفلسطيني كان حراك مجموعة الإخوان ومجموعة إيران يرفع شعار نحن من يمثل مملكة البحرين وليست الدولة ولا مؤسساتها، حراك مبني على الطعن بكل من عقد اتفاقيات مع إسرائيل!!

التحام الشارع البحريني من القيادة الفلسطينية الحمساوية لتفرض نفسك ممثلاً عن القضية الفلسطينية خليجياً، وتجاهل سياسة مملكة البحرين الرسمية التي التحمت مع الشعب الفلسطيني مباشرة، فقامت بتأييد حقه وبمساعدته على قدر استطاعتها مادياً ودبلوماسياً، بنت له المدارس في غزة والمراكز الصحية ودعمت الأجهزة الطبية والمساكن، هذه هي سياسة مملكة البحرين الرسمية تجاه الشعب الفلسطيني، لكن المجموعات التي هنا والتي تأتمر بأمر المراكز القيادية الأجنبية لا يعنيها الشعب بقدر ما تعنيها القيادات الحمساوية المتحالفة مع إيران.

اكتساح في وسائل التواصل الاجتماعي، تضخيم تهويل فبركات استخدام الرسم والفيديو والبرامج التطبيقية وتسجيلات صوتية وضخها بكثافة في آن واحد، حتى من أراد أن ينتقد بموضوعية من المواطنين العاديين يتنحى جانباً بعد أن بصاب بالفزع من كم الرسائل المصطنعة الفظيع الذي انتشر، إنها المدرسة التي تدربوا عليها، أغرق سوق التعبير برسائلك التي تحول بين المواطن وبين مؤسسات الدولة وافرض رأيك.

للتذكير من جديد، هدف هذه المجموعات هو إسقاط الدولة وسيسقط النظام تلقائياً، هذا هو الجزء الثاني من الربيع العربي الذي تتبدى ملامحه الآن مع دعم الإدارة الأمريكية وتهيئة الأجواء لعودة هذين التنظيمين في أكثر من بلد عربي، ويكفي أن تنظروا حولكم لترصدوا عودة نشاط هاتين المجموعتين في البحرين على وسائل التواصل وفي التجمعات، في توقيت واحد مع حراك بقية الأفرع في أكثر من بلد عربي، تذكروا.. لا شيء يحدث صدفة.

فإن استهنتم بالبدايات لا تتعذروا بعد ذلك بأنكم أخذتم على حين غرة.