شكراً بوعيسى فقد فرحت قلوب العديد من الأسر، إذ وجهت المسؤولين إلى التفكير في البدائل العقلانية المتاحة والتي تحقق الأهداف الحكومية المتعلقة بتنظيم العمل من المنزل، وفي ذات الوقت فإن الحلول لا تكلف الدولة شيئاً غير إعادة ترتيب وتصنيف الأنشطة، ووجهت كذلك بالقيام بحملة ترويجية تعرض المزايا لهذه البدائل وللخيارات المتاحة جميعها، ليعرف المسؤولون بعد قرارك الحكيم أنه أحياناً يحتاج الأمر أن يفكروا خارج الصندوق ولا يستسهلون اتخاذ الإجراء فحسب، أو الاستسلام للتحديات، دون بذل قليل من الجهد الذي بإمكانه أن يجد العديد من الثغرات التي تفك أعقد العقد. وهذا ما يشجعنا على طرح مشكلة المشاكل وأزمة الأزمات عند عشرات الآلاف من الأسر البحرينية وهي «القروض الشخصية» وبالأخص تلك المرتبطة بشركات الإقراض الكبيرة منها والصغيرة، والتي لا يوجد سقف محدد لفوائدها وأرباحها.

نحن نتحدث عن عشرات الآلاف من الأسر البحرينية، ونتحدث عن مئات الملايين من الدنانير بل المليارات، ونتحدث عن شبكة قيود مالية ملتفة على العديد من الرقاب، لو وجدنا لها حلاً، لانتعشت العديد من الأسر وعادت تلك الأموال لتضخ في الأسواق البحرينية.

المشكلة لا تحتاج لسداد القروض، المشكلة تحتاج علاجاً جذرياً يضع حداً لطريقة احتساب الفوائد وسقفها، قد يكون إعادة النظر في التشريعات أو القرارات، وتحتاج إلى قرار سياسي جريء مع البنوك ومع تلك الشركات المالية التي تسهل عملية الاقتراض وتصعب عملية السداد، تحتاج لإعادة النظر في طريقة احتساب الفوائد أو طريقة احتساب سدادها، وتصوروا نموذجاً سأعرضه لكم يمثل صورة مصغرة من الأزمة بجدارة.

سيدة اقترضت لشراء سيارة، دفعت مقدماً بسيطاً وهذا هو بالضبط ما تقدمه مؤسسات الاقتراض أنها تسهل لك الدخول!! العرض الذي تقدمه تلك المؤسسات وما يميزها عن البنوك أنها لا تطلب ضمانات كبيرة وتتساهل بعملية الإقراض، وكثير من زبائنهم يوقعون دون أن يعرفوا على ماذا يوقعون. هذه السيدة كحال عشرات الآلاف لم تتمكن من دفع أقساطها وهنا تبدأ القصة، فالقصة لا تبدأ بالقرض بل بالطريقة التي يعالجون بها عجزك عن دفع القرض، فحين تعجز عن دفع الأقساط يقرضونك من جديد لتسهيل حياتك، ويجمعون القرضين ويزيدون سعر الفائدة ويعيدون جدولة قروضك، وفجاة تجد نفسك في شبكة ومتاهة لا تعرف كيف تخرج منها، وهكذا دواليك. مجموع ما اقترضته السيدة 38 ألف دينار على مدى ست سنوات ومجموع ما سددته لهم بلغ 30 ألف دينار، إنما ما سددته كله كان الأرباح فقط، الآن عليها أن تسدد المتبقي من المطلوب منها وهو يعادل 36 ألف دينار!! وإن عجزت أقرضوها وأعادوا جدولة ديونها، وهكذا يلتف الحبل لفة وراء الأخرى إلى أن تجد هذه السيدة نفسها أما في السجن أو... لا أحد يريد أن يفكر بالبدائل. نعم لم يضربها أحد على يدها لتقترض، نعم قد يكون في الأمر سوء تدبير منها، نعم هذا هو القانون والقانون لا يحمي المغفلين، نعم ليس كل من يقترض يقترض لعازة وهناك شريحة تقترض لتحسن مستوى معيشتها، كل ما سيقال من مبررات تدين العديد من المقترضين صحيح، إنما نحن بصدد مشكلة كبيرة تمثل «عقدة» اقتصادية في الدولة، إن أوجدنا لها حلاً جذرياً أو تمكنا من وقف نزيفها فأنت تتحدث عن انتعاش اقتصادي يطال شريحة كبيرة جداً جداً من الأسر البحرينية.

إذ يبلغ إجمالي القروض الشخصية 4.7 مليار دينار، فقد تصدرت القروض الشخصية بضمان العقار بنسبة 46.3% من القروض الشخصية، كما تشكل القروض ذاتها البالغة 2.177 مليار نحو 21% من إجمالي القروض الممنوحة في البحرين. وسجلت القروض بضمان الودائع 187.2 مليون دينار، فيما بلغت القروض الشخصية بضمان الراتب نحو 1.7 مليار دينار، في حين سجلت القروض بضمان المركبة 119.7 مليون دينار، وسجلت قروض البطاقات الائتمانية 91.7 مليون دينار، فيما صنفت بقية القروض «419.6 مليون دينار» تحت بند أخرى. «جريدة الأيام 20 يناير 2020».

اسألوا محاكم التنفيذ، اسألوا ملفات مراكز الشرطة اسألوهم عن حالات الإفلاس اسألوهم عن المعسرين والمتعثرين في الدفع.

الجميع يذكر حملة فاعل خير وحملة عيدكم في بيتكم والتي كانت تهدف إلى إعادة النساء المسجونات لعجزهن عن دفع ديونهم؟ لم تكن تلك الحالات سوى قمة لجبل جليدي لم تتضح ملامحه بعد.

نعرف أن دولاً غنية لم تفعلها -كالكويت- رغم مطالبات المواطنين الكويتيين بإسقاط القروض الشخصية، ونعرف أن ظلماً يقع على من لم يقترض، أو اقترض واجتهد وسدد دينه، إن نحن فكرنا بمن عجز عن تسديد الدين فقط، لكننا بحاجة للتفكير في القصة وعدم تجاهلها، فنحن نتحدث عن عقبة كأداة تمنع سيران عجلة التنمية والاقتصاد، نحن بحاجة للتفكير بوقف النزيف على الأقل، التفكير بمنع تفاقمها واستمرارها إلى ما لا نهاية، والأمل كبير معقود في سموكم.