سنبدأ هذا العام بفتح أكبر الملفات وأخطرها ملف «التأجير من الباطن» وقد تحدثنا كثيراً عن الأعداد الفائضة من الجنسيات الآسيوية وهي ليست «عمالة» بل «عالة»، عالة علينا وعلى أنفسهم، فوجودهم في البحرين لم يكن لمهاراتهم الخاصة ولا علمهم وكفاءاتهم، فغالبيتهم لا حاجة لنا بهم، ولكن أعداد كبيرة منهم دخلوا البلاد تحت مظلة «السجلات التجارية» التي صاحبها بحريني لكنه أجرها على آسيويين، فيقوم الآسيوي المؤجر بجلب الأعداد الكبيرة باسم هذه السجلات، يتاجر بهم أحياناً ويأخذ الإتاوات منهم، وبعضهم يعملون معه حيث يتكدس العشرات منهم في دكاكين صغيرة، تحدث بلاوي ومصائب يقوم بها المستأجر تتم كلها باسم «التأجير بالباطن»، وهكذا نرى مئات الآلاف من الآسيويين ونتساءل أي يعملون؟ من عائلهم؟ أين تذهب الأموال التي يكسبونها؟

لأول مرة تتحرك الحكومة لمواجهة هذه الآفة بعد أن استفحلت لسنوات وتمددت وتشعبت، وهي جزء من معالجة الخلل في التركيبة السكانية والخلل في سوق العمل والخلل في الاقتصاد، لماذا الآن؟ لا يهمني الجواب ما يهمني أنها تحركت، ونجاحها يعني عودة الأنشطة التجارية في يد البحريني، وتخفيف أعداد كبيرة من تلك العمالة وبقاء العملة داخل البحرين بدلاً من خروجها، ناهيك عن المكاسب الأخرى على صعيد النظافة والأمن وتحسن البيئة وانخفاض الزحام و.. و.. و.. التي سنجنيها كبحرين من هذه الحملة -إن نجحت- وهنا سنتحدث.

بداية نجحت الحملة في اختيار التسمية «التستر التجاري» والسبب أنها علقت أول جرس من خلال كلمة «التستر» لتعرف أنها جريمة ويعاقب عليها القانون، غير كلمة التأجير من الباطن التي تبدو طبيعية، بداية فإن الحملة تعرف من أجر سجله التجاري أنه يرتكب جريمة، فحجة أنك كنت تجهل ذلك لم تعد مقبولة، خاصة وأن حملتهم ستستمر ربما ثلاثة أشهر وسيستخدمون كل الوسائل الإعلامية لتنبيه من يقوم بالتأجير بأنك ستساءل من قبل القانون، وستقع في مشكلة، خاصة إذا كنت قد استخرجت السجل باسم الوالدة الله يحفظها أو الزوجة أو الأخت، فجميعهم سيتعرضون للعقوبة إن كنت قد استخرجت سجلك باسمهم وأجرته، هذا أولاً.

ثانياً العقوبة إلى الآن ألف دينار وسجن، وهناك محكومون موجودون في سجون البحرين يقضون عقوبتهم وبعضهم نساء لا لأنهم أجروا سجلاتهم فحسب، بل لأن من أجر منهم السجل ارتكب جرائم من خلال سجلهم، منها اتجار بالبشر ومنها غسيل أموال ومنها ديون متراكمة لم يقضها أخذها وهرب وترك صاحب السجل يواجه العقوبات على جرائم ارتكبت باسمه دون حتى أدنى علم بها وبعض من هؤلاء المحكومين نساء.

ملاحظة: «العقوبة لابد أن تغلظ وهذا دور السلطة التشريعية حتى نستطيع أن نقضي على هذه الآفة معاً».

نأتي لصاحب السجل خاصة من الطبقة المتوسطة الذي كان «يترزق» من هذا التأجير ويحسن من مستوى دخله، من خلال الحملة سيعرف أن لا أحد يريده أن يخسر أو يقل مدخوله، ولكنه يستطيع من خلال -تصحيح وضعه القانوني- أن يحفظ حقوقه وأن يربح أكثر، كيف؟

نادي من أجرت منه وأخبره أنه سيكون شريكاً لك لا مؤجر من عندك، وبدلاً من يعطيك مبلغ مقطوع سنوياً أو شهرياً، يعطيك نسبة متفق عليها من الأرباح، قم بإجراء عقد جديد معه يحدد نسبتك من الدخل معه واجعله شركة محدودة المسؤولية، بمعنى إن وصلت أمورك لأسوأها ودخلت محاكم بسبب ديون عليك تكون أملاكك الخاصة الأخرى بمنأى عن الحجز وتخسر كل ما لديك كما هو حاصل مع كثيرين، ورطهم مؤجر السجل وهرب وتم الحجز على ممتلكاتهم!

هنا أنت كسبت أكثر بعقد الشراكة، وأجبرت في ذات الوقت شريكاً على اطلاعك على معاملاته المالية فالمسؤولية المشتركة هنا تحتم عليك معرفة ما الذي يفعله شريكك باسمك وباسم سجلك، ومن ناحية أخرى قللت من أرباحه فلا يستطيع جلب العشرات من العمالة دون حاجة كما كان يفعل سابقاً، والأهم دخلت أنت في تفاصيل المهنة التي استخرجت سجلك من أجلها لتعرف أن البحرين فيها خير كثير بدليل خروج ما يقارب 2 مليار دينار سنوياً من البلد، هذه الأموال حولت من قبل هذه «العالة»، فهذا الذي يلقي عليك بالفتات كل عام تأكد أنه ربح أضعافها إن لم يكن أكثر، ألست أنت البحريني ابن البلد أجدر بها؟

أخيراً، نختم مقالنا بهذا السؤال هل ستطال هذه الحملة الكل.. ونعني بالكل مؤجري السجلات الكبيرة، أي «نفر كبير»؟ مقاولات، فنادق إلخ، هذا السؤال جوابه في أن نرى الجدية علناً في تنفيذه من أجل زرع الثقة في مسألة مكافحة الفساد التي نصرح بها، الناس تريد ترى فعلاً وعبرة، يأخذ فيها على يد الكبير قبل الصغير ليثقوا أن المسألة جد هذه المرة ولا أحد سينجو من «التستر».