يوم الخميس الماضي مدح وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لو دريان الدين والثقافة الإسلامية وقال عنها إنهما «جزآن من تاريخنا الفرنسي والأوروبي ونحن نحترمهما”، مشيراً إلى أن “المسلمين جزء مطلق من مجتمعنا الوطني” وفرنسا “بلد التسامح وليست موطن الازدراء والرفض”،

وقبله مدح وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين يوم السبت الماضي الدين الإسلامي وأكد أنه دين تسامح، مشيراً إلى أن الحرب التي تشنها فرنسا هي لمواجهة الإيدولوجيا المتطرفة.

لم تكن حملة مقاطعة البضائع الفرنسية سبباً لهذا الحراك الفرنسي، بل إدراك الحكومة الفرنسية أن تصريحات ماكرون استغلت من قبل الجماعات الإرهابية واتخذتها ذريعة لاستعراض قوتها تحت غطاء غضبة العالم الإسلامي! حيث منحت تصريحات ماكرون غير الواضحة وغير المحددة للفئات المستهدفة المظلة التي تحركت تحتها المجموعات المتطرفة، فسارع أعضاء الحكومة الفرنسية للتفريق بين تلك «المجموعات» وبين الإسلام كديانة وبينهم وبين المسلمين كمجتمعات، من أجل عزل المجموعات سياسياً وأمنياً عن بقية المسلمين.

الذي لا تدركه فرنسا أن الدول العربية عزلت هذه الفئة عن مجتمعاتها وحددتها لتنأى بنفسها وبالإسلام عنها فصنفتها على أنها جماعات انفصالية إرهابية، وأنها أذرع لإيران ولتركيا

مالم تستوعبه فرنسا أو أوروبا أن معركتنا معهم بدأت منذ زمن، وأننا حذرنا أوروبا من خطرهم منذ زمن والملك عبدالله رحمه الله نبه لامتداد نيرانهم لأوروبا وكان توقعه في محله وها هو قد حصل.

واقعياً فتحت أوروبا أبوابها للمهاجرين المسلمين عرباً وغير عرب وفرنسا تحديداً تحتضن أكثر من خمسة ملايين مسلم لهم كافة الحقوق بالتساوي مع بقية الفرنسيين ولهم حرية ممارسة معتقداتهم بمن فيهم المجموعات المتطرفة، فلم تكن أوروبا ولا فرنسا لتتصدى لهذه المجموعات بل اعتبرت ممارساتهم المتشددة جزءاً من ثقافتهم الإسلامية إلى أن تصادمت تلك «الثقافة» مع الهوية الوطنية الأوروبية وبدأت بالانعزال والانكفاء، والأهم بدأت بتحدي «الدولة» عبر كسر قوانينها وعدم الالتزام بها، تماماً مثلما فعلت في مواطنها الأصلية، ثم وضحت خطورتها حين خرج من تحت عباءتها بعض الإرهابيين وارتكبوا جرائمهم على الأراضي الأوروبية، حينها صحت فرنسا وألمانيا وبريطانيا فقط للوحش الذي احتضنته وتبنته وبدأت تشدد الخناق عليه.

ولطالما حذرت دولنا العربية أوروبا من الخطر الكامن وراء إيواء هذه المجموعات وعدم الانتباه لحقيقتها، وأنهم لا يمثلون الإسلام، وأن سبب التصدي لهم في دولنا لا علاقة له باضطهاد حقوق إنسانية كما يدعون إنما تصدياً للإرهاب الفكري وللممارسات العنيفة لأنها جماعات تشكل خطراً على أمن الدولة -أي دولة- وهويتها الوطنية.

بالنسبة للعديد من الدول العربية الإسلامية حددت هوية هذه الفئات وجرمتها ووضعتها في قوائم الإرهاب، في حين احتوتها أوروبا ووضعتهم في قوائم «الجماعات المضطهدة» وقدمت الأحزاب اليسارية لهم كامل الدعم والاحتضان، وهيأت لهم الأجواء المريحة التي استغلتها تلك الجماعات في تعزيز موقعها متجهة للانفصال والانعزال عن الحاضن فما كانت تلك الأحزاب اليسارية سوى وسيلة استغلتها تلك الجماعات لتحقيق ذات الهدف وهو إنشاء شبكة آمنة تربط هذه الجماعات بعضها ببعض مع مراكزها القيادية القابعة في تركيا وإيران ومع ممول قطري يواصل دعمها عبر شبكة مالية وفرتها له أوروبا بكل سرور!!

ولو نحينا أي معيار أو مقياس سياسي أو اقتصادي أو أية مصلحة أخرى وتعاونا نحن الدول العربية وفرنسا في تحديد هوية المتطرفين الإسلاميين لاتفقنا بمقدار يفوق 99% على تحديد هويتهم والتصدي لهم، ليس مع فرنسا فحسب بل مع أوروبا بأسرها.

كلما أقرت أوروبا هذه الحقائق مبكراً بأن هذه المجموعات لا تمثل الإسلام ولا تمثل المسلمين كلما ساعدها ذلك في تلقي كل الدعم من الدول والشعوب العربية والإسلامية، ولتمكنت بسهولة من عزلهم عن بقية مسلمي أوروبا، كلما أدركت أوروبا أن مواقع القيادات المركزية لهذه الجماعات تقع في إيران وتركيا وأن تمويلها قطري إيراني تركي كلما ساهم ذلك في توحيد مواقفها مع الدول العربية والإسلامية في مواجهة هذا المد المتطرف.

المشكلة تكمن أن عوامل لا علاقة لها بالحرب ضد الإرهاب تدخل بعين الاعتبار فتتماهى الخيوط وتتشكل مساحة ضبابية تعيق المصالح المشتركة بيننا وبين فرنسا وبقية الدول الأوروبية والخاسر هم الشعوب الأوروبية أكثر منا.