ليحمد كل بحريني ربه على نعمة الاستقرار وكونه مواطناً في دولة نظامها يعد مرجعاً سياسياً في فن إدارة «التعددية الدينية والمذهبية»، فالبحرين نجحت ولله الحمد والمنة في المرور دوماً من العديد من المطبات الحرجة بمهاراتها السياسية والإدارية وتسامحها في ذات الوقت، والتوازن في إدارة التعددية ليس بالأمر الهين أبداً أبداً، خاصة في ظل هذا التربص والتحفز الدائم من حولنا، وهذه المرحلة الحرجة عالمياً والتي أسقطت دولاً وهددت دولاً أخرى بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية التي تدفع اليوم ثمن تهاونها بتطويرها لفن إدارة التعددية العرقية.

جلالته يقول تواضعاً إن الفضل لنجاحنا «نابع من خصوصيتنا البحرينية بنسيجها الاجتماعي المتماسك والمتعايش بسلام وانسجام، والتي ستبقى بنموذجها المتحضر، بإذنه تعالى، وبعزيمة إرادتنا الوطنية، مرجعاً إنسانياً في ممارسة الحريات الدينية واحترام التعددية المذهبية، ومركزاً حاضناً لقيّم ديننا الحنيف بمبادئه العظيمة ونهجه القويم» انتهى الافتباس.

ونحن نقول إن ذلك تواضع معروف عن جلالته حفظه الله أراد به أن ينسب الفضل ويشكر الشعب البحريني على تعاونه، إنما الحق الذي يجب أن يقال ونملك جرأة الإفصاح عنه والإقرار به دون تملق ودون نفاق، إن نجاة البحرين ونجاحها في الخروج دوماً من نفق التقاتل الطائفي الذي ابتليت به شعوب عديدة ليس رهناً بهذه الإرادة الوطنية فحسب، بل الأصح أنها حنكة وحصافة وقدرة على الاستشراف ملكتها أسرة آل خليفة على مدى أكثر من قرنين من الزمان مكنت البحرين من أن تبقى دولة مستقرة ثابتة برغم هذه التعددية الفسيفسائية سواء العرقية أو الدينية أو المذهبية، ملك فيها حكامها على مدى هذه المرحلة الممتدة خبرة في التعامل مع هذه الخصوصية والحساسية المفرطة، والشواهد التاريخية والمعاصرة أكثر من أن تحصى، ففن «إدارة التعددية» فشلت فيه معظم الدول وذلك عائد بالدرجة الأولى على من يمسك بزمام الأمور وما هو النظام السياسي القائم، وها هو الرئيس اللبناني يقول في ذكرى تأسيس لبنان الدولة إذ الأنظمة المقترحة لإدارة التعددية إن «النظام الطائفي القائم على المحاصصة كان صالحاً لزمن مضى، وصار اليوم عائقاً أمام أي تطور وأمام مكافحة الفساد،ومولداً للفتن والتحريض والانقسام لكل من أراد ضرب البلد».

وأضاف: «هناك حاجة لتطوير النظام. لتعديله. لتغييره. سموها ما شئتم ولكن الأكيد أن لبنان يحتاج إلى مفهوم جديد في إدارة شؤونه يقوم على المواطنة ومدنية الدولة». انتهى

الجدير بالذكر أن نظام المحاصصة كان أحد الحلول المطروحة للتعامل مع واقع التعددية في بلد كلبنان بعد الحرب الأهلية، وهو النظام الذي لولاه ما وصل عون للرئاسة أصلاً، لكن حين حان وقت مغادرته للمقعد وعلم أن ذلك قد يكون آخر ما يخاطب به شعبه قال الحق ونطق به، بأن نظام «المحاصصة» ممكن أن يكون مفيداً كحل مؤقت بدلاً من التقاتل في الحرب الأهلية إلى أن تهدأ الأمور، وإنما كان المفروض بعد ذلك أن يصاغ دستور جديد مبني على فصل الدين عن الدولة في بلد حافل بالتعددية الدينية والمذهبية كلبنان، وألا يكون الاستمرار في ذلك النظام المحاصصي أزمة بحد ذاته إن بقي كحل دائم، ولا حاجة للتذكير بما آل إليه لبنان نتيجة تلك المحاصصة.

ذكرني أحد الأخوة بدعوة فطاحلة جمعية الوفاق التي على رأي اللبنانيين (تنذكر وما تنعاد) إلى اقتداء البحرين بالنظامين السياسيين اللبناني والعراقي لأنهما من أفضل الأنظمة حسب قول ذلك الفطحل لإدارة التعددية في البحرين، لأنهما يعتمدان على المحاصصة الطائفية، ونحمد الله ألف مرة أن أحداً لم يأخذ بدعوته المشؤومة، ولم نجاريهم حين ذاك لمجرد طلب سكوتهم وهدوئهم وعدم إثارتهم للفتنة ونتسرع بالقبول وإلا لكنا الآن نمر بما يمر به لبنان والعراق!!

اليوم ونحن نشهد بأم أعيننا كيف فشلت نماذج دولية عديدة في امتلاك «فن إدارة التعددية» نحمد الله على نعمة البحرين، وشكراً جلالة الملك للمرة المليون وحفظ الله البحرين وشعبها.