هل رجالنا الأشاوس يمكن أن يكونوا رومانسيين دون أن يشعروا أنها تنتقص من رجولتهم العربية؟ وهل تستمر قصص الغرام بعد الزواج كما يقول الرواة المصريون (وعاشوا في تبات ونبات وخلفوا صبيان وبنات)؟ أم أن خفايا قصص الغرام المشهورة لو عرفت لأعادت عقول الذين أسرتهم رومانسيتها إلى صوابها وأقدامهم مست أرضها من جديد وجعلتهم يعيدون حساباتهم وجعلت العذارى يقبلن الزواج بمن تقدمت كرشه على أنفه، وصلعته على قذلته، وأجبرت أخانا (أبو سروال وفانيله) على أن يعيد النظر في مقاييس ومواصفات شريكته فيقبل بمن قبلت به!
خذ عندك .. واحدة من القصص الرومانسية في تراثنا والتي جعلتنا نهيم بالعشق عشقاً تلك التي دارت بين الشاعر ديك الجن وحبيبته ورود التي وصفها بهذه الأبياتك:
خفيفـــة الروح لــــو رامـــــت لخفتـــــها رقصاً على المــاء مـــا ابتـــلت لها قــدم
هيفاء لو وطــئت جفنــــاً لــــذي رمــــــد لمــا أحــس لهـــا مـــن وطئهـــا ألمـــــا
قائل هذه الأبيات هو عبدالسلام بن رغبان الحمصي الملقب «بديك الجن» هام عشقاً بجارته النصرانية «ورود» وجادت قريحته بأبيات يصف فيها رشاقتها وخفة طينتها وروحها فقال: إنها لشدة خفتها لو رقصت على الماء ما ابتلت قدماها ولو مشت على عين بها رمد لما شعر صاحبها بألم.
وقال فيها أيضاً:
حبيبـــــــــي مقـــــيم عـــــــلى نائـــــــه وقلبـــــــي مقـــــــيم علــــــــى رائــــــه
سأصـــــبر عنــــــك وأعصــــي الهــــــوى إذا صـــــبر الحــــــوت عـــــــــن مــائـــه
ما علينا .. انتهت قصة ديك الجن وورود بقتلها على يده بعد أن شك بها والسبب ابن عمه الحسود الذي أوغر قلبه عليها وكاد له، وبعد أن قتلها دون أن يرف له جفن اكتشف الحقيقة فهام على وجهه في الصحاري والوديان يندب حظه العاثر إلى أن مات... (شالفائدة؟)
أما الثاني الذي هام على وجهه حتى وجد جثته بعض المارة فهو قيس بن الملوح الذي عشق ليلى العامرية ،ولم تكن ذات حسن أبداً، وحين علم أبوه قال له:
ليت شِعري، ما أراها ممن يوصف بالجمال والحُسن، وقد بلغني أنها فوهاء، قصيرة، جاحظة العينين، شهلة، سمجة، فعُد عن ذكرها، ولك في قومك من هو خير لك منها.
فــوهــاء: أي واسعة الفم
شــهــلة: أي يشوب سواد عينيها زُرقة، وقول شهلة فى عينيه شُهلة: أي تبدو مثل العجائز
سـمـجـة: أي قبيحة لا ملاحة ولا جمال في وجهها!! فرد ابن الملوح على أبيه:
يقولُ لِــــيَ الواشــــونَ لَيلـــى قَصـــــيرَةٌَ فلَيـــتَ ذِراعــــاً عَــرضُ لَيلــــى وَطولُهـــا
وَإِنَّ بِعَينَيهـــــــــا لَعَمـــــــرُكَ شُهلَـــــةًَ قُلـــتُ كِـــرامُ الطَــــيرِ شُهــــلٌ عُيونُهـــا
وَجاحِظَــــةٌ فَوهــــاءُ لا بَــــــأسَ إِنَّهـــــا مُنى كَبِـــدي بَـــل كُــلُّ نَفســـي وَسولُهـا
فَدَقَّ صِـــلابَ الصَخـــرِ رَأسَــــكَ سَرمَـــداً فَإِنّـــي إِلــــى حـــينَ المَمـــــاتِ خَليلُهـــا
انظر (لنحاسة) هذا (المقرود) لا فكر في رضا الوالدين ولا استحيا من أبيه قال له: (طق راسك بالطوفه لي باجر) دق صلاب رأسك سرمدا (أبيها يعني أبيها) والنهاية مات ابن الملوح وهو يهيم في الصحاري لأن الأهل زوجوا (الجلحة الملحة) ليلى العامرية لغيره! (اشحادك؟)
أما غرام ولادة ابنة المستكفي وابن زيدون فمن أشهر قصص الغرام الأندلسية التي تبين أن (المره مره لو كانت ابنة أميره) فلم يشفع لابن زيدون كل رومانسيته وقوله المعسول له حين قالت له (مع السلامة والقلب داعي لك) وهو الذي كان يودعها يقول لها (شيصبرني للقاء التالي):
ودع الصـــــــبرَ محـــــــــــبُّ ودعـــــــــك ذائـــــع مــــن ســــره مـــــا استودعــــك
يقـــرع الســــن علــــــى أن لــــم يكــــن زاد فـــــــي تلـــــك الخطـــــى إذ شيعــك
يا أخــــــا البــــــــدر ســـــــناءً وســــــــنا حفـــــــــظ اللـــه زمــــانــــاً أطلـــعــــك
إن يطُــــلْ بعـــــدك ليلــــــــي فلكــــــم بـــــتُّ أشكـــــو قصــــر اللــــيل معـــــك
و ماذا حدث لهذا الحب الجنوني؟ انفصل الاثنان والسبب (العين الفارغه) لابن زيدون فقد امتدح غناء جارية لولادة فما كان منها إلا أن ألقت عليه هذين البيتين
لو كنت تنصفُ في الهــــوى مـــا بينــــنا لــم تهَـــــو جاريتــــي ولــــــــم تتخيـــّرِ
وَتركــــتَ غصـــــــناً مثمــــراً بجمالـــــه وجنحــــــتَ للغصنِ الـــذي لـــــم يثمـــرِ
ومن يعرف ولادة يعرف اعتزازها بنفسها؛ فهي التي خطت على ثوبها بيتاً من الشعر
أنا والله أصلح للمعالي.. وأمشي مشيتي وأتيه تيها
أمكّن عاشقي من صحن خدي.. وأعطي قبلتي من يشتهيها
وتلك كانت نهاية غير رومانسية كغيرها من النهايات، فالأول قتل حبيبته والثاني مات وخاس ولم يدرِ عنه أحد والثالث (خرب أم الرومانسية) بعينه (الزايغه)
فارجعوا لواقعكم واخزوا شيطانكم، ولربما الرومانسية ليست من صميم الذات العربية، ربما هي أجنبية.... وإلا ما رأيكم؟
ملاحظة
هناك قيسان أحدهما مجنون ليلى والثاني مجنون لبنى وقصة الثاني عجيبة وتستحق أن تروى إنما الظاهر أن كل قيس يعشق بجنون، فإن فكر أحد بتسمية ابنه قيساً فليتريث قليلاً.