منذ انفجار «كورونا» العظيم، وعالمنا يتشكل على نحو لم نعهده من قبل، وللمفارقة، فالعالم اليوم أصبح فعلاً «قرية صغيرة»، في ترابطه على التباعد!.. ولكنها أقرب إلى «قرية الأشباح»، حتى إن الأغلب بات يتساءل كـ «العزير»: «أنّى يحيي الله هذه بعد موتها؟!».. وكمصير أقرب بعدها لمصير «العزير»، فالبشرية اليوم في وضع أقرب إلى وضع «الميت»، تعقبه - بإذن الله وعبر أسبابه - عودة للحياة.. ونسأل الله أن تكون عودة للحياة في هذه القرية الصغيرة، ببصيرة تشبه بصيرة العزير بعدها! ولمن قد يتساءل هنا، ولكن العزير أماته الله مئة عام؟!.. أقول له.. «لا تدقق هنا»!.. بل دقق في.. منذ كم من قرن وهذا العالم بلا ضمير حي؟!

لقد أعاد «كورونا» تشكيل الكثير من جوانب حياتنا على كافة الأصعدة، أو استحدث جديداً فيها، فإن من ضمن ما استحدثه - نسبيا - هو ما أستطيع أن أطلق عليه «أدب كورونا»، وأدب الأوبئة قديم ولعل ذاكرتي تقف تحيزاً عند كوليرا ماركيز!، الذي تغلب في أطروحاته النظرة الإنسانية الروحانية المتأملة ببصر فزع وبصيرة غيرمقنعة في عالم ما قبل «كورونا» الذي كان مدفوناً بأيدينا تحت الماديات والأنانيات والصراعات...! وعالم «كورونا» اليوم ‏الذي فيه مهابة الخلاء، كموت أصغر يبحث عن قيامة الأمل.. في ذلك الفراغ الكوني الذي فرضه حضورُ الخطر..

من «أدب كورونا» هذا اخترت لكم هذه الرسالة العالمية، لكاتب مجهول:

«ننام في عالم ونصحو لنجد أنفسنا في عالم آخر.. فجأة عالم ديزني خال من سحره، وباريس لم تعد رومانسية، ونيويورك لم تعد تقوى على الوقوف، وسور الصين العظيم لم يعد حصيناً، ومكة خالية!.. الأحضان والقبلات أصبحت فجأة أسلحة، وعدم زيارة الوالدين والأصدقاء أصبح تعبيراً عن الحب، فجأة أدركنا أن القوة والمال والجمال لا قيمة لها، ولا يستطيع أياً منها أن يحقق لنا اليوم الشيء الوحيد الذي نحتاجه.. الأوكسجين.. كوكبنا الجميل استمر في دورانه، إلا أننا اليوم حرمنا من مشاهدة جماله، ووضعنا فيما يشبه الأقفاص.. أعتقد أن كوكبنا يبعث لنا برسالة مفادها.. أننا لسنا مهمين.. الهواء والأرض والسماء والماء.. من دوننا هم بخير.. عندما نعود لكوكبنا مرة أخرى.. فلنتذكر بأننا ضيوف، ولسنا أسياد الكوكب!».

اختم بحقيقة ونصيحة وبشارة وشهادة مجروحة، أما الحقيقة فهي تلك الحقيقة العلمية.. التي تقول بأنه فيما إذا اختفت النحل من على كوكب الأرض، فإن الجنس البشري سينقرض في عدة أشهر/ سنوات، والعكس قطعاً غير صحيح.. أو كما ذكر «الكاتب المجهول» آنفا.. «الهواء والأرض والسماء والماء» سيظلون بدوننا بخير، وبأننا لسنا كما كنا نظن أسياد الكوكب!

وأما النصيحة.. فباختصار.. «كورونا».. طوفان، والسفينة: بيتك!

وأما بالبشارة.. فبعد الحجر.. فجر.

واختم بالشهادة المجروحة.. وطني بعد حجم إنسانيته التي أذهلت العالم.. تدّعي الجغرافيا أن مساحته 779.95 كيلومتر مربع.. فقط!