نواصل في الجزء الخامس من المقال حديثنا عن المفكر البحريني د. محمد جابر الأنصاري.
الملاحظة الثالثة: إنني أتفق كباحث متخصص في الدراسات الاستراتيجية الدولية وتابعت بالمعايشة وبالفكر الأوضاع العربية الممزقة والتي تزداد تمزقاً حتى على مستوى الدولة الوطنية، بل الأكثر سوءاً قبل قيام مثل تلك الدولة كما هو حال الصراع بين الأخوة الفلسطينيين قبل قيام دولتهم بل هو صراع بعد ما أطلق عليه الربيع العربي والذي لم يكن ربيعاً بل كان دماراً، كما هو حادث في سوريا واليمن وليبيا بل كادت مصر وبعض دول الخليج أن تواجه دماراً لولا أن قيادات تلك الدول وخاصة القوات المسلحة المصرية وقوة دفاع البحرين وقوات درع الجزيرة تدخلت للحفاظ على الأمن والقانون وللحفاظ على هوية الدولة المصرية المتسامحة بين الطوائف والأديان، والتي ترفض المفهوم الديني للدولة باسم الإسلام الذي لم يعرف في تاريخه ما يسمى بالدولة الإسلامية. ولقد كتبت كثيراً من الدراسات المنشورة عن هذا الموضوع بأنه لا أساس علمي ولا ديني لمفهوم الدولة الدينية وإنما هي جاءت من الهند وحركة المسلمين الهنود المتشددين مثل أبو الحسن الندوي وأبو الأعلى المودودي وأمثالهما بعد انهيار الخلافة العثمانية التي حطمت باسم الإسلام، وهى لم تكن دولة إسلامية وفقاً للقيم والسلوكيات بل كان الحكم استبدادياً وخارج عن القيم الإسلامية والأخلاق الإسلامية. بل إن الدولة الأموية والعباسية أو الفاطمية أو الصفوية لم تكن إلا تعبيراً عن طموحات سياسية، واستغلال الدين لدعم الدولة ذات الطموحات السياسية وخداع المسلمين بشعارات باطلة وشعارات دينية مزيفة وسلوكيات فاسدة واستغلال الدول أو الدويلات بالممارسات الاستعمارية لبناء دول استبدادية توسعية باسم الدين وهي بعيدة عنه.
الملاحظة الرابعة: إن الأنصاري ربما تأثر بفكر ديكارت وفلاسفة الثورة الفرنسية في منهج الشك بل بما ذكره الإمام أبو حامد الغزالي من مذهب الشك في كتابه «المنقذ من الضلال» كطريق للإيمان وما ذكره فولتير في مقولته المشهورة «أخالفك رأيك ولكنني أدافع عن حقك في إبدائه»، ومن هذا المنطلق المنهجي العلمي أصدر محمد جابر الأنصاري مؤلفاته مثل مساءلة الهزيمة، العرب والسياسة أين الخلل؟ التأزم السياسى عند العرب وسوسيولوجيا الإسلام، رؤية قرانية للمتغيرات الدولية، الناصرية من منظور نقدي، تكوين العرب الحديث ومغزى الدولة القطرية، وكان طموحاً في فكره كما تجلى ذلك في كتابه «تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها» وبالمناسبة فإن مثل هذا المنهج الواضح في عنوان الكتاب هو المنهج القرآني السليم عندما وجه الله سبحانه وتعالى البشر بقوله: «وفي الأرض آيات للموقنين، وفي أنفسكم أفلا تبصرون»، «سورة الأحقاف الآيات 20-23»، ودعاهم للتفكير في خلق السموات والأرض والجبال والأنهار والبحار وغير ذلك من مخلوقات الله التى كونت البشرية والكون المحيط بها.
باختصار إن الله سبحانه وتعالى يدعو الخلق للتفكير والمعرفة والعلم بل يدعوهم للحوار كما تحاورت بعض الأمم والشعوب بل تحاور سيدنا إبراهيم حول الخلق وإحياء الموتى.
وللحديث بقية.
* باحث في الدراسات العربية والإسلامية