حضرة صاحب الجلالة، الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، من خيرة الملوك، فهو عربي أصيل، يدرك الأبعاد الاستراتيجية الدولية والإقليمية، وما يحاك للعرب من أعدائهم، وهو أيضاً يعرف تاريخ مصر جيداً ودورها وقدراتها وتضحياتها من أجل أمتها العربية من منظور استراتيجي بعيد المدى، وقد تجلى ذلك بوضوح في التواصل المستمر مع مصر، وفي اللفتات الطيبة من حين لآخر. ولعل أحد أبرز مظاهر ذلك، التواصل المستمر بينه وبين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وآخرها الاتصال التلفوني بين القائدين بمناسبة العام الجديد، وفقاً لما نشرته الصحف البحرينية يوم 6 يناير الحالي، وهو أن جلالة الملك أشاد بمواقف مصر المشرفة والثابتة، كما بحث الزعيمان علاقات التعاون والقضايا الإقليمية والدولية. وقد أعرب السيسي عن تقديره لدور جلالة الملك في تعزيز مسيرة العمل المشترك لتحقيق المصلحة المشتركة للعرب جميعاً.
ولا شك في أن علاقة مصر مع أشقائها من الدول العربية هي علاقة ثابتة وراسخة في جوهرها، وإن تعرضت لبعض الأزمات من حين لآخر، كما يحدث بين الدول ذات السيادة، فهذا أمر طبيعي. ومصر لا تتدخل في شؤون أية دولة عربية وقراراتها. ولا تسمح لأحد مهما كان أن يتدخل في شؤونها.
إن من يتابع القضايا العربية يعرف قدر مصر ومواقفها الثابتة ولا يفعل مثل أطفالنا الصغار الذين تربوا على الوجبات السريعة والقراءة السريعة للأخبار دون تعمق ودون تحليل للوصول لجوهر القضايا وفهم المواقف الحقيقية للدول المختلفة. ولذلك أخذت بعض الدول العربية مواقف ضد المبادرة الاستراتيجية للرئيس المصري الراحل أنور السادات التي أدت لتحرير سيناء واستعادتها ولوضع سابقة في التفاوض مع إسرائيل بعدم التنازل عن شبر من الأرض المحتلة، وأجبرت إسرائيل على التخلي عن مستعمراتها في سيناء، وآخرها مستوطنة ياميت. ولكن بعض الدول أخذت مواقف مضادة لمصر، وضغطت على الدول الأخرى التي لم تكن ترغب في القطيعة مع مصر أو ممارسة ضغوط عليها. وكانت تلك الدول أطلقت على نفسها دول الرفض والتصدي ثم خففت المصطلح إلى دول الممانعة، بعد أن أدركت أنها بدون مصر لن تتصدى لإسرائيل وليس بمقدورها فعل شيء في مواجهتها، وهي التي دأبت على اقتطاع الأرض العربية المحتلة دون حسيب أو رقيب، وإن صيحات بعض القيادات العربية وبعض الدول في إقليمنا الشرق أوسطي هي صيحات فارغة في الهواء هدفها تشويه صورة مصر طمعاً في الزعامة والقيادة، متناسين أن الزعامة لا تطلب، فمرجعها إمكانيات كامنة في كل دولة وإن القيادة تعني التضحيات وتعني الاستعداد لقبول تلك التضحيات وتعني اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب. وعندما واجهت تلك الدول التي أطلقت على نفسها دول الرفض والتصدي، الحقائق، ومنها أنها لن تستطيع أن تكون في القيادة تراجعت، ومصر لا تطلب زعامة ولا قيادة وإنما تطلب عملاً عربياً مشتركاً تساهم فيه كل دولة بحسب قدراتها وللمصلحة العربية المشتركة. كما أنها لا تحب الشعارات الجوفاء التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
ولقد رفضت مصر عبر السنين أي توريط في أي عمل يحاك لها من مؤامرات في الخفاء، وحرصت مصر على شرح رؤيتها وتركت الآخرين لعلهم يعقلون. فعلى سبيل المثال إن قرارات الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين قيمتها أدبية وربما لها قيمة قانونية ولكنها غير قابلة للتنفيذ. ومن لا يعرف عليه أن يراجع ذلك من قرار التقسيم إلى قرارات اللاجئين وقرارات بشأن القدس والمستعمرات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة. فلم ينفذ منها شيء ونقول إن البعض ممن لا يفهمون طبيعة العمل في الأمم المتحدة وطبيعة قراراتها ولم يقرؤوا ميثاق الأمم المتحدة، ولم يفكروا في طبيعة كل قرار وتحت أي مادة وتحت أي فصل من فصول الميثاق يفرحون لمجرد صدور قرار ما يوضع في سجلات التاريخ وبعد أيام ينسى ولا يتذكره أحد ولا يحدث أي تغيير إيجابي.