كان الإنسان البحريني يعتمد في رزقه على صيد الأسماك، كونه مصدراً للدخل، إلى جانب الزراعة والغوص والسفر للتجارة، وأيضاً الحرف اليدوية الأخرى، والبيع والشراء في الأسواق الكبيرة، والأسواق الأسبوعية مثل سوق الأربعاء بالمنامة، الواقع بالقرب من ميدان البلدية القديمة، إلى جانب الأسواق الأخرى في عرض البلاد وطولها، مثل سوق الخميس بقرية الخميس، وسوق الخارو بالمحرق، كل تلك الأسواق اندثرت وعفى عليها الزمن، والحنين إلى إحيائها من جديد في تزايد كونها جزءاً من تاريخ البحرين الجميلة، وشعبها الأصيل.

طالعتنا جريدة «الوطن» الغراء في عددها 5138 الصادر في تاريخ 4-1-2020، بأنه تم تخريج 15 شاباً بحرينياً مؤهلاً، بالتعاون مع وزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني وتمكين للبدء بالعمل في الاستزراع السمكي، والذي يعتبر أحد الخيارات الأساسية في توفير الأسماك في السوق المحلية، ضمن استراتيجية الوزارة، في البدء بتنفيذ مبادرات الأمن الغذائي البحري.

جاء ذلك في حفل أقيم برعاية وزير الأشغال صاحب السعادة المهندس عصام خلف، وحضور وكيل الزراعة والثروة البحرية د.نبيل أبوالفتح، والوكيل المساعد لشؤون الزراعة د.عبدالعزيز عبدالكريم وعدد من المسؤولين في تمكين وعلى رأسهم د.إبراهيم جناحي. وقال خلف إن الوزارة تولي ملف الاستزراع السمكي أهمية بالغة، انطلاقاً من توجيهات الحكومة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر حفظه الله ورعاه. وأكد الوزير عصام خلف أن الأمر يتطلب تضافر الجهود بين مختلف القطاعات الحكومية. إن هذا المشروع، والاهتمام بهذا الجانب الغذائي الهام، ليس في مملكة البحرين فقط، وإنما في جميع دول العالم، خاصة الدول التي تمتلك سواحل بحرية، كذلك أصبح بالإمكان استزراع الأسماك في أحواض كبيرة في الدول غير المطلة على بحر. إن البحرين هي مجموعة من الجزر، كان تعدادها 33 جزيرة، وكل جزيرة بالطبيعة لها سواحل، والمد والجزر نلاحظه بكل وضوح، لذلك أنشئت الحظور بالقرب من تلك الجزر، والتي تتعرض للمد والجزر، حسب معايشة أهل البحرين، وعلمهم بحركة البحر، ووقت «مباراة الحظور»، أي وقت التوجه لصيد الأسماك التي حاصرتها الحظرة في سرها -البعض يسميها الحاوية-، هذا إلى جانب صيد الأسماك بالقراقير في المياه الضحلة والدابوي «القرقور الكبير»، في المياه العميقة، والسماك البحريني بفطرته يعرف أماكن تواجد الأسماك وبيئتها ومواسمها، وهناك طرق كثيرة للصيد وعديدة.

الأسماك التي تعيش على الفطرة، وفي بحر واسع، تعرف أين يتوافر غذاؤها، فهي أكثر نشاطاً وأكثر نمواً، أما الأسماك المحصورة في أحواض بلاستيكية ضيقة، وتُغذى بمواقيت أعتقد بأنها أسماك مثل دجاج المزرعة، التي تختلف كلياً عن دجاج جداتنا، وبيوضها ملقحة بوجود الديوك. المشروع رائد، وأُثني عليه، وثقتي كبيرة في القائمين عليه، وإن أكثر دول العالم اتجهت إلى استزراع الأسماك في أحواض، والسبب الصيد الجائر، وطرق الصيد الحديثة التي تجوب البحار والخلجان والمحيطات بسفن ضخمة، وتجرف البحر بشباك يتعدى طولها المئات من الكيلومترات، وتصطاد كل نوع من الأسماك، الصغير والكبير، الذي يؤكل والذي لا يؤكل، وتقلب قاع البحر بما حوى من بيوض تلك الأسماك، وتقضي على الأسماك الصغيرة، لتلك الأسباب ولأسباب أخرى، قلت الثروة السمكية في البحار، والنتيجة أن أسماكاً انقرضت أو كادت، وقد شاهدنا نحن أهل الخليج العربي من جنوبه إلى شماله، ومن شرقه إلى غربه، مثل سمك الصافي الصنيفي والحاسوم والسبيطي والشعم، والمنجوس الذي تتغذى عليه تلك الأسماك الكبيرة والطير، قل وجودها بشكل واضح. وقد تنبهت الجهة المسؤولة عندنا إلى ما سببه «الكراف»، وما دمر من البيئة، فشكراً لها ولجمعية الصيادين البحرينية.

وبما أن البحرين رقعتها الزراعية تراجعت تراجعاً كبيراً، نحاول المحافظة على البقية الباقية، عن طريق الزراعة في المحميات، لتوفير ولو جزء من احتياجاتنا الزراعية المعروفة في زمن مضى مثل الرطب والمانجو والجيكو والتين والرمان والزهور العطرية والخضراوات بأنواعها. المقترح الذي أطرحه، لنأكل أسماكاً ذات فائدة غذائية عالية، هو تخصيص جزء من البحر بإنشاء محميات لكل نوع من الأسماك، وتوزيع كل جزء إلى قسائم، كما توزع الدول الزراعية الكبيرة تلك القسائم على المزارعين، أيضاً نحن نوزع تلك القسائم البحرية على محترفي مهنة الصيد البحري فقط وبعقود مثل ما هو حاصل في الهملة لحظائر المواشي، وعندنا مثل محمية الأسماك التي تديرها شركة البحرين للبتروكيماويات، فهي فكرة نموذجية، وتنتج أسماكاً وكأنها تعيش بالفطرة، تأكل وتتنفس وتتحرك بحُرية، إلى جانب تغذيتها بغذاء صحي معتمد دولياً، إضافةً إلى ذلك، حماية الأسماك الصغيرة حتى تكبر، وعدم طرحها في الأسواق إلا إذا بلغت حجماً يتفق عليه، ولكل نوع حجم، ووفق الله الجميع إلى ما فيه الخير وخدمة الوطن.