لا أعرف ما الذي أزعج البعض سواء من الإخوة الفلسطينيين أو من العرب المتحمسين للقضية الفلسطينية حين كتبت في مقال الشرق الأوسط أمس أن أهل مكة أدرى بشعابها وأهل فلسطين كذلك أدرى بشعابها ونحن سندعم القرار الذي سيتفق عليه الفلسطينيون، ولن ندعم ما يعرض عليهم فهناك فرق؟!

لم نختلف كخليجيين فيما بيننا أو كعرب فيما بيننا على أمر لا نملك قراره؟ الفلسطينيون -كلهم دون استثناء- هم من سيجيب ويحدد موقفهم مما هو معروض عليهم، ولا أحد له الحق أن يقبل أو يرفض أو يشتري أو يبيع ما لا يملكه، أو يتخذ أي موقف مشجعاً أو شاجباً سواهم، أو يجبرهم على ما لا يريدونه، لذلك على الفلسطينيين بدلاً من تضييع الوقت في سب وشتم أهل الخليج، أن يجلسوا مع بعضهم البعض ويتفقوا أو يجمعوا أو يأخذوا برأي أغلبيتهم، فلا يستثنوا أحداً بمن فيهم من هم داخل إسرائيل ومن هم في القطاعين ومن هم في الدول العربية وبقية دول الشتات، عليهم إجراء استفتاءات من خلال سفاراتهم لمن يحمل الهوية الفلسطينية ومعرفة رأي الأغلبية والمضي قدماً بناء عليه، فلا يتخذ قرار منفرد من أي جهة منهم، أما بقية العالم بما فيها العالم العربي فلهم تقديم مبادرات أو تقديم اقتراحات أو تقديم رؤى أو تقديم صفقات أياً يكن، ستبقى في حدود الاقتراحات ولكن لا أحد يستطيع أن يجبر الفلسطينيين على الموافقة عليها.

هذه القاعدة هي التي يجب أن يلتزم بها كذلك جميع المحللين العرب والخليجيين بالأخص، فلا تشجيع ولا تحريض ولا دفع باتجاه أي قرار، فأهل مكة أدرى بشعابها، وما ذلك إلا لأن العديد من الفلسطينيين يتركون قضيتهم ويتركون من قدم المقترح -سواء كان ترامب أو كان أحداً آخر- يتركه ويتفرغ فقط لسب وشتم أهل الخليج واتهامهم ببيع القضية وبيع فلسطين!!

منذ 1948 إلى عام 2020 قدمت للفلسطينيين العشرات من المبادرات التي عرضت عليهم واختلفوا فيما بينهم وتقاتلوا وقتلوا بعضهم البعض وتاجر بعضهم بقضيته وتكسب من ورائها، وعانى البعض الآخر من تجاهلهم لبعضهم البعض، وانقسموا ولم يتمكن أحد من فرض «القبول» بأي من تلك المبادرات، قد تفرض مخرجات تلك المبادرات عليهم بالقوة وتقتطع أراضيهم منهم قطعة قطعة، قد تفرض كنتيجة للحروب، إنما لا أحد فرض عليهم «القبول»، وعلى هذا الأساس لهم في هذه الحالة أن يرفضوا صفقة ترامب ويرموها بحراً ويدوسوا عليها ويلعنوها ويلعنوا صاحبها كما رفضوا غيرها، الأمر عائد لهم وحدهم.

لا قيمة لأي رأي لأي دولة أخرى ولا أي شعب آخر، لا قيمة لموقف أي شعب غير فلسطيني رافض للصفقة، أو لموقف أي شعب غير فلسطيني قابل بالصفقة، فلم إذاً نختلف أو نتقاطع على شيء لا نملكه وليس لنا يد عليه؟!

لم يتشاجر السعودي مع السعودي أو البحريني مع البحريني أو المصري مع المصري على قبول أو رفض أي مبادرة تقدم للفلسطينيين إذا كان الأمر في النهاية سيعود لهم بالقبول أو الرفض؟

المقترحات -كما هي المعونات المادية- تقدم لمساعدة الفلسطينيين كشعب يعاني من الاحتلال والتهجير والشتات واللجوء والمخيمات، لهم أن يأخذوها ولهم أن يرفضوها ويتصرفوا وفق ما يرونه صالحاً لهم، كل ما قدمه العرب عامل مساعد لهم على تحمل معاناتهم وقدموا لهم كل ما يمكنهم تقديمه بدءاً من أرواح الشهداء الذين سقطوا في الحروب التحريرية، وصولاً للمساعدات المادية، ومروراً بالمواقف السياسية الداعمة للموقف الفلسطيني، لا أكثر ولا أقل وسنظل على التزامنا العربي بهذه القضية الذي لا بد أن يكون واضحاً أنه التزام بما يقبل به الفلسطينيين لا التزام بما يعرض عليهم، نقطة ومن أول السطر.

وتبقى القضية الفلسطينية لأهلها فحسب، أياً كان إيماننا بموقع فلسطين الديني في وجداننا، فإننا في النهاية لن نكون أكثر انتماء من أهلها لهذه المواقع، فلا مكانة المسجد الأقصى ولا قدسية قبة الصخرة عندنا كمسلمين ستمنحنا الحق أن نقرر نيابة عن أي فلسطيني، فلا نزايد على بعضنا البعض ولا نتبرع برأي في مسألة ما وأصحابها موجودون، ولا نختلف كخليجين في أمر لا نملك قراره، ولا نختلف فيما بيننا ونضيف نقطة خلاف في كأسنا الفائض أصلاً.