نقلت لنا جريدة الوطن الغراء في عددها الصادر في تاريخ 27-9-2019 الخبر التالي: «أكد المشاركون في الجلسة الحوارية عن تاريخ المسيحية في البحرين، التي نظمها مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي، وهذه هي البحرين، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وما تتمتع به أتباع الديانات في البحرين، وإنها أصبحت نموذجاً للتعايش السلمي بين أتباع المذاهب المختلفة، واعتبروا أن إعلان البحرين وثيقة مهمة للتعايش، وضعت لتكون النموذج الحقيقي للتعايش».

وللحقيقة والتاريخ، أن البحرين ـم الحضارات، وتلاقت فيها حضارة السند والرافدين، بالإضافة إلى الديانات السماوية الثلاث، اليهودية والمسيحية والإسلامية، وكذلك الهندوسية، وكل له مكان لممارسة طقوسه بحرية كاملة، ففي البحرين الكنيس اليهودي والكنيسة المسيحية والمساجد الإسلامية، والمعابد الخاصة للهندوس، وبعض أهل المعتقدات الأخرى، يمارسون شعائرهم الدينية في أماكن خاصة، قد تكون بيوتهم أو غيرها لكنهم يتمتعون بكامل حريتهم وما يعتقدون، وقد نسمع في وقت واحد الله اكبر وقرع جرس الكنيسة، ومثل هذا عادي عندنا في البحرين.

الجيل الجديد، ما سأقوله لا يصدقونه، لكننا خاصة أهل المنامة، نذهب لمشاهدة هذا الاحتفال الديني لهذه الطائفة من الهنود إلى شارع العلاء الحضرمي، وهذا الشارع فيه المعبد الهندوسي الكبير، وترى الزهور الملونة والمشكلة قلائد، تباع لدى الدكاكين القريبة من المعبد، وكل قاصد للتعبد يشتري قلادة من الزهور ويهديها الى رمز المعبود، الكل يشتري، الرجال والنساء والأطفال، والطريق الضيق المؤدي إلى المعبد، تملؤه روائح عطرة مصدرها ما نسميه نحن المسلمين «عود مسجد» وكنا نستعمله في المساجد والبيوت أيضاً، وقد هجرناه منذ مدة طويلة، وحلت محله معطرات أخرى حديثة، والأهم من ذلك، عندما كنا شباباً لا نتجاوز السادسة عشرة من عمرنا، نقصد هذا الشارع في أيام أعيادهم «هولي» أي نفث الأصباغ على اختلاف ألوانها على بعضهم البعض خارج المعبد، في جو من الفرح والمرح وأهازيج على قرع الطبول، وهذا المعبد لا يبعد إلا عشرات من الأمتار من مسجد الصحاف، ويمارسون احتفالهم من بعد صلاة العصر إلى ما قبل أذان المغرب بساعة.

أما «دوالي»، ففي هذا العيد يشعلون الشموع في المعبد وفي منازلهم، وفي الهند يتوجهون إلى ضفاف الأنهار ليلاً ويضعون الشموع بعد إشعالها على قطع من الخشب تطفو، وتيار النهر يأخذها إلى البعيد، مع توديعهم ودعاوتهم، والشعب الهندي شعب يحب الرقص على إيقاع الطبول.

وهناك في الهند أيضاً صادف وجودي مع العائلة سنة 1970 عيد من أعيادهم.

ويتمثل هذا العيد بأن كل عائلة أو جماعة يشتركون في شراء تمثال يمثل ذلك المعبود وملون بأجمل الألوان ومحاط بالزهور، وحجم هذا التمثال يختلف من جماعة إلى أخرى، وعائلة وأخرى، هناك الصغير والمتوسط والكبير، ويتوجهون إلى ساحل «جباتي» المشهور في مدينة مومباي «بومباي قديماً»، جماعات تصحبهم فرق موسيقية، تصدح بأجمل الألحان، والكل يغني ويرقص رقصات محتشمة، لكنها قمة في المحافظة على تقاليدهم المتوارثة، إذ إن أجساد البنات والنساء مستورة من الرقبة إلى اخمص القدمين.

وما إن يصل المحتفلون إلى ساحل البحر، تجد هناك شباباً يجيدون السباحة مهنتهم حمل تلك التماثيل إلى أبعد نقطة من الساحل ورميها في البحر نظير مبلغ من المال، وينتهي الاحتفال، وتخبو أصوات الطبول والآلات الموسيقية الأخرى، وينسحبون من الساحل قاصدين منازلهم بهدوء وخشوع.

الشعب الهندي وكما عرفناه، شعب مسالم، وكل له دينه وطقوسه، يمارسها بكامل الحرية، في جو من التعايش السلمي، والتعاون في بناء وطنهم، لذلك ارتقى الهنود من الزراعة إلى الصناعة الخفيفة والثقيلة، إلى صنع السيارات والأدوية، وإلى صنع الأسلحة الخفيفة والثقيلة، حتى ناقلة الطائرات والصواريخ التي تنقل الكبسولات الفضائية إلى القمر ومحطات الفضاء، وفي صمت، ملكت الهند الطاقة الذرية لأغراض سلمية وحربية، بالمجمل أصبحت الهند من الدول الكبرى الصناعية وتفردت بالإلكترونيات، وتفوقت على دول كبيرة.

الشعب الهندي صديق قديم للشعب البحريني فهم الأطباء وخبراء الجمارك والمحاسبين في زمن مضى، قبل أن يتقلد البحرينيون وبجدارة تلك الوظائف بفضل سياسة حكومتنا الموقرة التي توسعت توسعاً كبيراً في التعليم الحديث منذ فجر 1919، شكراً للهنود جميعاً وخاصة إخواننا من الدول العربية الشقيقة، ولجميع الشعوب التي ساهمت في بناء مملكة البحرين الناهضة، ودامت البحرين بعزها في عهد مليكها المفدى ورئيس وزرائها الموقر وولي عهدها الأمين والشعب البحريني الوفي.

* مؤسس نادي اللؤلؤ وعضو بلدي سابق