بتاريخ 20-10-2018، استلمت مقطع فيديو عن طريق «الواتس أب» أرسله لي صديق عزيز، وكانت المتحدثة سيدة من سيدات البحرين الفاضلات التي تتميز بفن الإلقاء والتحدث بالنبرة البحرينية الأصيلة على السليقة وبدون تكلف، وبدون كتابة على الورق، ومن دون توقف إلا إذا اقتضى حديثها ذلك، ثم تعاود الحديث، وكأنها تعطي للسامع فرصة للاستعداد لما سيأتي بعده، هذه السيدة الفاضلة لها برنامج تلفزيوني قمة في النصح والتوجيه، هي سنا السعد.

حديثها المشار إليه، كان يدور عن قصة ابن البحرين البار طبيب الأطفال الشهير إبراهيم يعقوب، والاسم الكامل له، كما تفوهت به تلك السيدة، إبراهيم يعقوب السعد تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته.

في حديثها عنه في فترة الطفولة والشباب، وشغفه وتعلقه بالدراسة في مدارس البحرين ثم في جمهورية مصر العربية، ثم في بيروت، وذكرت اسميْ زميليه، الدكتورعلي فخرو والدكتور راشد فليفل، وحسب معلوماتي الشخصية، أن تخصص الدكتور إبراهيم يعقوب طب أطفال، والدكتور علي محمد فخرو تخصصه القلب، والدكتور راشد فليفل تخصصه الأمراض الجلدية، وكان لي شرف التعرف عليهم، وهم جميعاً قريبون من أبناء البحرين، والتواضع صفتهم للناس، والحماس لخدمة وطنهم وأبنائه والدكتور علي محمد فخرو، كان بيته في السلمانية لصيق لنادينا نادي القادسية، وتقلد في فترة من الفترات الرئاسة الفخرية للنادي، فكنا قريبين منه، خاصة إذا دعت الحاجة إلى اجتماع للإدارة به، أو مراجعته في شأن من شؤون النادي، والدكتور راشد فليفل، تعرفت عليه عندما فتح عيادة خاصة إلى الغرب من الحورة، أو بالأحرى على شارع القصر «قصر الشيخ حمد»، غير بعيدة عيادته عن مسجد البلوش، اذ أصيبت زوجتي بحساسية في يدها، وبعد الفحص والتشخيص والتحليل، تعرف على نوع هذا المرض الجلدي الذي تعاني منه، ووصف لها الدواء، ومن هنا عرفت أن هذا الرجل متمرس في مهنته وبثقة وجدارة، وكنت وزوجتي نتردد عليه أثناء العلاج .

أما الدكتور إبراهيم يعقوب وكما يقال، الصدفة خير من ألف ميعاد،أن ابنتي الأولى من مواليد 1962، وذاع صيت الدكتور إبراهيم يعقوب كمعالج للأطفال، خاصة عندما نقل من المحرق إلى السلمانية لإفادة أكبر عدد من الأطفال.

جميع الأطباء يجلسون في غرفهم لمعاينة المريض، وهذا واجب وحق للمرضى الكبار، وكما نعلم أن بعض الأمراض لا بد لها من السرية، ولا يخبر الطبيب بها أحداً.

أتدرون أين كان يجلس الدكتور إبراهيم يعقوب؟ يأمر بإخراج طاولته إلى الصالة المقابلة لغرفته، ويجلس على كرسيه، ويخاطب أولياء الأمور، «ها أنتم تشاهدونني أمامكم، وأنتم كُثر من رجال ونساء، وكل واحد منكم يعاني نفسياً أكثر ربما مما يعاني الطفل، أنا معكم، ولن أغادر المستشفى إلا وأكون قد عاينت كل طفل وطفلة، ووصفت لهم عن الدواء اللازم، ولا أريد إلا تعاونكم معي بالصبر، وسأبدأ بالأطفال من الجنسين الذين هم بصحبة أمهاتهم، حتى يتفرغن مبكراً لمتابعة شؤون بيوتهن، ثم بأطفال الرجال، الذي أطلبه منكم جميعاً الاصطفاف والجلوس على الكراسي، النساء على يميني والرجال على شمالي، توكلنا على الله».

لأول مرة في حياتي أرى طبيباً بهذه الروح السمحة، والقلب الواسع، وهذا التواضع والابتسامة لا تفارق محياه، ولأول مره أستلم أدوية لطفلتي في علب مغلقة وحبوب مغلفة برقائق الألمنيوم غير الأدوية التي كانت موجودة سابقاً، وكانت هذه نقلة في الدواء الذي تسلمه الصيدلية لأولياء الأمور.

وإزدادت علاقتي بهذا الطبيب الانسان، عندما كنت موظف جوازات بالمطار، وعندما توطدت صداقتي معه، سألته مره بعد أن أنهيت إجراءات دخوله وسلمت جوازه له، سألته «أما جاءتك عروض للعمل خارج البحرين وقد ذاع صيتك؟، أجابني نعم جاءني عرض مغرٍ من دولة خليجية، لكنني توجهت إلى أبينا سمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، وأطلعت سموه على ما وصلني من عرض، وفاجأني بسؤال، وأنت ما هو موقفك؟، أجبته بأنني طوع أمركم، وخدمة وطني وأبنائه هي قمة آمالي، والذي أريده توفير ما أطلبه من أدوية حديثه للأطفال، وأشرت لسموه بالدول الغربية المتواجد فيها مثل هذا الدواء، وحالاً أمر بتوفيره وبأسرع وقت مهما تكلف سعره».

رحم الله تعالى أميرنا الراحل الإنسان الكريم وأسكنه المقام المحمود من الجنة، ورحم الله إبن البحرين الوفي الدكتور إبراهيم يعقوب محمد السعد رحمه واسعة وأسكنه فسيح جناته، نظير ما قدم لوطنه وأطفال وطنه.

* ناشط اجتماعي، ومؤسس نادي اللؤلؤ سابقًا، وعضو مجلس بلدي سابق