هدى حسين



أكد خبراء سياسيون وقانونيون أهمية إفصاح المترشحين للانتخابات عن مصادر تمويل حملاتهم الانتخابية، مشيرين إلى اتجاه تصاعدي واضح في أحجام مصاريف الحملات.

وفيما دعا بعضهم إلى تحديد سقف أعلى لنفقات الحملة الانتخابية وأن يلتزم المترشح بتوثيق مصاريف الحملة وأن تخضع المصاريف للتدقيق من جهة حكومية بهدف تحقيق مبدأ العدالة بين المترشحين بحيث لا يكون المال معياراً للتفوق، لفت بعضهم إلى مخاطر التمويل الخارجي الذي يضر بالمصلحة الوطنية والأمن القومي للدولة لأنه غالباً يقوم على شروط تحقق مصالح الممولين وتضر بالدولة.

وقال المحلل في الشؤون الاقتصادية والعلوم السياسية د.يوسف المشعل إنه "مع بدء السباق الانتخابي الذي يتوقع أن يكون حامي الوطيس، وكما يجري في كل انتخابات العالم، ومنها انتخاباتنا، فإننا سنرى أشكالاً وألواناً من الحملات الانتخابية سعياً من المترشحين لكسب أصوات الناخبين".

وأوضح المشعل "مما لا شك فيه أن التسويق السياسي أحد الاتجاهات الحديثة والمعاصرة لعلم التسويق الحديث، لكنه لم يلق الاهتمام اللازم من قبل الباحثين والكتاب وخاصة المتخصصين في مجال التسويق مما انعكس على قلة الأدبيات والموضوعات في هذا المجال، وعدم تطورها. وهذا الواقع الجديد أفضى إلى ازدياد الحاجة إلى المال الانتخابي وتمويل الحملات الانتخابية".

وأضاف "في واقع الأمر لا تتطرق الأنظمة الانتخابية في غالبية الدول العربية إلى موضوع تمويل الحملات الانتخابية والإنفاق الانتخابي بشكل مستقل ومفصل، وإن وردت فترد عادة في فقرات ومواد تأتي بمعظمها تحت عنوان الأحكام الجزائية باستثناء القليل منها. ولا يوجد تنظيم إداري لمراقبة الإنفاق الانتخابي وضبطه وما يمنع المترشحين من الإنفاق وجمع الأموال بشكل غير محدد وغير مقنن مع أهمية هذا العلم. وبينت معظم التجارب في العالم أن أي انتخابات نزيهة وحرة تستوجب بالضرورة تأمين أعلى مستوى من تكافؤ الفرص، عبر ضمان معاملة كافة القوى والجمعيات والمترشحين المستقلين، بطريقة عادلة ومتساوية من دون تمييز، تبعاً للقوانين التي تنظم الحياة السياسية الداخلية ولا تتعارض مع المعايير الدولية".

وعن الواقع البحريني، قال المشعل "نلمس كمتابعين للانتخابات أن هناك اتجاهاً تصاعدياً واضحاً في أحجام مصاريف الحملات الانتخابية، وإن تفاوتت بين مترشح وآخر فإن الاتجاه العام يعطي انطباعاً واضحاً أن مؤشر هذه الحملات سيستمر في التزايد"، متسائلاً عن مصادر تمويل الحملات الانتخابية، ومؤكداً "ضرورة معرفة مصادر تمويل الحملات الانتخابية والتأكد من عدم وجود شبهة فساد أو تدخلات أجنبية ومنها موضوع العدالة بين المرشحين على قاعدة المنافسة الحرة والشريفة والهدف الذي من أجله يخوض المترشح المعركة الانتخابية وينفق كل هذه الأموال الطائلة".

وقال المشعل "طالما أن الانتخابات عادلة ونزيهة فمن المنطق أن تكون هذه العدالة والنزاهة شاملة لأركان العملية الانتخابية كافة بما فيها الحملات الانتخابية للمترشحين. وتشريع قانون يحدد سقف المصاريف الانتخابية بالنسبة لكل مترشح أصبح من الضروريات والأهم وجود تعليمات تحدد السقف الأعلى المسموح به لنفقات الحملة الانتخابية وأن يلتزم المترشح بتوثيق مصاريف الحملة وأن تخضع هذه المصاريف للتدقيق من جهة حكومية. ففي تحديد السقف سعي لتحقيق مبدأ العدالة بين المرشحين بحيث لا يكون المال معياراً للتفوق. فهناك مترشحون يملكون برامج جيدة لكنهم غير قادرين على تسويقها انتخابياً لعدم قدرتهم على إطلاق حملات انتخابية كبيرة مماثلة لتلك التي يطلقها أصحاب المال. شخصياً أشعر بالدهشة من المبالغ التي ينفقها المترشحون على حملاتهم، فعلى المترشح أن يكون واضحاً حول مصادر تمويل حملته الانتخابية سواء كانت من جيبه الخاص أو من تبرعات ودعم الآخرين ويجب أن يكون مصدر التمويل شرعياً لا غبار ولا علامات استفهام عليه بل إنني أرى أنه يجب أن يكون كشف الذمة المالية شرطاً من شروط الترشيح".

ولفت المشعل إلى أن المواطن العادي في كل انتخابات يتساءل بدهشة وأحياناً بتحسر عن المبالغ التي أنفقها المترشح الفلاني على حملته الانتخابية ثم يتبعه بسؤال آخر بسيط ما مصدر دخل هذا المرشح حتى ينفق هذه المبالغ الكبيرة؟ ويختمها بسؤال ثالث هل امتيازات النائب تستحق كل هذا الصرف، وبالعامية "كيف رح يطلع المرشح فلوسه بعدها .""

خطر التمويل الخارجي

فيما أكد الخبير السياسي بهاء الدين مكاوي أن "التمويل الانتخابي المشروع هو الذي يستتد إلى موارد مالية معروفة للحزب كاشتراكات الأعضاء او استثمارات الحزب أو التبرعات أو أموال الحملات الانتخابية التي تدفعها الحكومات لدعم المترشحين وتكون محددة وفقاً للقانون حتى لا تأتي نتائج الانتخابات متأثرة بعامل واحد هو العامل المالي. أما التمويل غير المشروع فهو التمويل الخارجي الذي يضر بالمصلحة الوطنية والأمن القومي للدولة لأنه غالباً يقوم على شروط تحقق مصالح الممولين وتضر بالدولة، أو التمويل الآتي من غسيل الأموال أو الاتجار بالمخدرات كما تفعل بعض الأحزاب أو الاتجار بالبشر وكل الطرق غير المشروعة الأخرى. وهناك بعض الدول أو الأحزاب القائمة في دول أجنبية تمول برامج بعض الاحزاب التي تشترك معها في الفكر أو الايديولوجيا لتفوز في الانتخابات ثم يطلب منها بعض المطالب التي قد تضر بالمصلحة الوطنية ويفتح مثل هذا السلوك ثغرات في الأمن القومي ربما تصعب معالجتها".



علانية التمويل

وقال الباحث في العلوم السياسية د.تامر هاشم إن "تمويل الانتخابات أو تمويل حملة المترشح موضوع شغل بال المفكرين السياسيين ورجال وفقهاء السياسة ورجال الأحزاب، على أساس أن المعادلة الرئيسة التي تقوم عليها فكرة الانتخابات أن يمتلك المترشح برنامجاً يعبر عن مصالح الجماهير ثم تصبح القضية في كيف يمكن إجراء عملية انتخابات دون أن يتحيز المترشح لمن يمولون حملته. ونلاحظ دائماً أن المترشح يميل إلى مساندة آراء وتوجهات من يمول حملته الانتخابية، على هذا الاساس بدأ فقه القانون في الولايات المتحدة وأروبا ينص على أن تكون عملية التمويل الانتخابي ذات طابع علني، وأن تكون جميع إجراءاتها وفق ضوابط القانون وألا يكون هناك تمويلات سرية، وبالتالي مسألة التمويل المالي بالغ الخطورة لأنها تؤدي إلى محاكمة الجاني وإدخاله السجن".

وأوضح هاشم "جميع قوانين العالم تسمح للمترشح أن يحصل على أموال من الناخبين بشرط أن يكون هذا التمويل علنياً ومعروفاً كم "المبلغ"، ومن من؟، حتى نستطيع أن نضمن حيادية المترشح ومناقشته للقضايا في المجلس. وبالتالي سيبقى الحد الرئيس في عملية التمويل ليس في كم التمويل إنما في وضوحه وعلنيته، ومعرفة حجم التمويل وبالتالي نستطيع المقارنة بين الأموال التي أخذها وبين البرنامج الانتخابي".

وأضاف "عادة في جميع دول العالم توجد قوانين تحدد كيف يمكن للمترشح أن يتلقى أموالاً، وإن لم يكون هناك قانون في الدولة، فيجب على المترشح أدبياً أن يفصح عن تمويله وأن يكون واضحاً أمام اللجنة المشرفة على الانتخابات ويخبرها بمصادر تمويله الانتخابي، حتى يضمن لنفسه المصداقية والحيادية ويضمن لنفسه تمثيل كافة مصالح الشعب لأن المترشح ليس ممثلاً فقط للدائرة المترشح بها وإنما للبحرين بجميع أطيافها".



جرائم الانتخاب

قانونياً، أوضح المحامي إسماعيل النصري أن "التمويل الانتخابي ليس بالضرورة أن يكون بالمال. والتمويل المشروع هو أن يمول المترشح حملته الانتخابية بالطرق القانونية اللازمة. أما التمويل الانتخابي اللا مشروع فيندرج تحت الفصل الرابع من قانون ممارسة الحقوق السياسية التي تتعلق بجرائم الاستفتاء والانتخاب، ومنها أن يتم دفع مبالغ للناخبين من أجل إيراد بيانات كاذبة رغم علم الناخب بكذب هذه البيانات أو تزوير أو تحريف أو تشويه أو إتلاف أي وثيقة أو إعلان للمترشحين الآخرين. ومن الجرائم الأخرى الإخلال بحرية الاستفتاء أو الانتخاب باستعمال القوة أو التهديد أو التشويش أو الاشتراك بالتجمهر أو المظاهرات ضد المترشحين الآخرين، أو نشر أقوال كاذبة عن سلوك أحد المترشحين أو أخلاقه بقصد التأثير في نتيجة الانتخاب".

وأضاف "بالنسبة للإجراءات المتخذه جراء تجاوزات المترشح فيتم حرمانه من مباشرة الحقوق السياسية، فضلا عن عقوبات الحبس بما بما لا يتجاوز 3 سنوات والغرامة بما لا يتجاوز 200 دينار، مع احتفاظ الشخص الذي لحقه ضرر في رفع دعوى مدنية للمطالبة بالتعويض الذي يمكن أن يصل إلى 20 ألف دينار".