ما يجري في تونس الآن جدير بالاهتمام والمراقبة الحثيثة لنا في البحرين، فهناك صراع سياسي بين الأحزاب السياسية المدنية وأحزاب الإسلام السياسي حتى بعد أن انتهت موجة الفوضى وما سمي «ربيعاً» عربياً وتدفع ثمنه تونس، حتى قال السبسي رئيس الجمهورية «بأننا اعتقدنا أننا قضينا على الإرهاب ولكن يبدو أن الأرهاب سيقضي علينا!» ودعا إلى الكف عن الصراع على كراسي السلطة الذي أدى إلى تصاعد موجة العنف وعودته من جديد.

وفي حين وجهت اتهامات لحزب «النهضة» «إخوان مسلمين» بأنه يقف وراء عودة العنف والإرهاب بعد شعوره بخسارة الشارع التونسي وتأييده، نفي حزب النهضة ذلك تماماً وأصدر بيان استنكار لحادثة التفجير الأخيرة قال فيه إن الحادث جبان ومرفوض.

إنما أصحاب هذه النظرية يستدلون على رأيهم بتزامن حادثة تفجير الفتاة العشرينية «منى قبلة» لنفسها بحزام ناسف في شارع بورقيبة، تزامناً مع الجلسة البرلمانية التي كانت معقودة لاستجواب وزير الداخلية التونسي هشام الفراتي على خلفية اتهامات بوجود تنظيم سري داخل الوزارة لجماعة الإخوان مكلف باغتيالات معارضي التنظيم، وأن الأمر لا يمكن أن يكون مصادفة، بل لم تكن الأولى التي تجري أحداث عنف كلما اقترب أحد من نقد «حزب النهضة» واتهم فيها جماعة الإخوان.

فجريمة اغتيال المعارض شكري بلعيد، يوم 5 فبراير عام 2013 حدثت بعد مداخلة تليفزيونية له مباشرة اتهم فيها حركة النهضة بالتشريع للاغتيال السياسي».

وقالت هيئة الدفاع عن بلعيد «كانت الحركة «الإسلام السياسي» تواجه حينها مأزقاً حقيقياً في الشارع، فجاء اغتيال بلعيد في إطار عملية ترهيب للخصوم السياسيين والمعارضين، كما نجد أنه في يوليو 2013 عندما وجدت حكومة علي العريض نفسها أمام أزمة، وقعت عملية اغتيال محمد البراهمي، والآن.. فإن الحركة الإخوانية في أدنى مستوى شعبي لها». وتابع: «ثمة جناح سري مهمته تشتيت العبء المتصاعد على الحركة».

وكشفت هيئة الدفاع عن شكري بلعيد، ومحمد البراهمي في تونس، يوم الأحد، أن حركة النهضة تمارس ضغوطا متزايدة على الأمن والقضاء، لطمس حقيقة وجود تنظيمها السري، بحسب بيان صادر عن الهيئة التي تضم محامين ونشطاء معنيين بالكشف عن اغتيال سياسيين بالعيد والبراهمي، واعتبر المحلل السياسي جمعة القاسمي، أن للهجوم امتداداً خارجياً، رغم أنه جرى تنفيذه محلياً وبأدوات بدائية، قائلاً إن «الجماعات الإرهابية هي مجرد آليات وظيفية تستخدم من قبل أطراف لديها أجندات في شمال أفريقيا»؟ وقال القاسمي إن ما وصفه بـ»القوى الظلامية المرتبطة بالحلف القطري التركي لاتزال تستثمر في الجماعات الإرهابية بالمنطقة». المصدر «موقع صحيفة الآن الإلكترونية».

من الجدير بالذكر أن لجنة تحقيق برلمانية تبحث في تمويل قطري لجمعيات خيرية تونسية تابعة لحزب النهضة وكذلك تبحث في تسهيلات قطرية لتجنيد وتسفير شباب تونسي وإلحاقهم بتنظيمات إرهابية.

في حين ان هناك من يعز عودة التطرف نتيجة غياب الاعتدال ونهوض تطرف مقابل من أحزاب مدنية تحاول تغييب المسحة الدينية تماما عن المشهد التونسي من خلال المنظومة التشريعية المدنية التي تحاول نزع كل صبغة إسلامية حتى تلك المتعلقة بالأحوال الشخصية، كقوانين الإرث وتعدد الزوجات، مما يفسر عودة التطرف من وجهة نظرهم بأنه لمواجهة التطرف على الجانب الآخر، وأصحابه يستدلون على أن «منى قبلة» الفتاة التي فجرت نفسها بحزام ناسف خريجة أدب إنجليزي لا علاقة لها بأحزاب إسلامية، ولكن تم التغرير بها.

الخلاصة من متابعة المشهد التونسي بأن صراعنا كمجتمعات وكدول مع الأحزاب الإسلامية لم ينته بعد، وأن تلك الأحزاب مازالت نشطة ولم تبعد، بل وتبحث عن الذرائع للعودة من جديد، فالأمر إذا بحاجة إلى دراسة الحاضنة التي تفرخ تلك الأحزاب وتمنحهم الحصانة، كما تبحث في ماكينة التطرف وداعميها من أطراف خارجية مازالت نشطة «إيران وقطر» ومازال لها تأثير على نشر الفوضى والخراب والدمار في دولنا العربية، وأن اليد لا يجوز أن ترتخي عن ملاحقتهم ومراقبتهم، هذا وكثير من الدروس الأخرى التي ممكن استقائها من المشهد التونسي اليوم.