الكتاب الذي أتعرض له في ملاحظات موجزة بما يتناسب مع حجم المقالات يناقش قضية من أهم قضايا مملكة البحرين وتؤثر على سياستها الخارجية وعلاقاتها الدولية. ومؤلف هذا الكتاب القيم السفير حسين راشد الصباغ أول سفير للبحرين في إيران الخمينية والذي قضى ثمان سنوات سفيراً تعرف خلالها على مختلف القوى السياسية ودرس أهم مراحل التاريخ الإيراني. ودرس وعاصر آية الله الخميني مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية الذي وصل للسلطة في 1979 وقدم نظريته لنظام الحكم تحت أطروحة «ولاية الفقيه». والسفير حسين الصباغ سفير بحريني مخضرم ودرس التاريخ في كلية الآداب جامعة القاهرة ومنه تاريخ الدولة الفارسية وتاريخ حضارة ما بين النهرين ولحسن حظه أنه، أول سفير للبحرين في إيران في عهد الثورة الإسلامية بقيادة الخميني في عام 1979، ثم أول سفير للبحرين في الصين، وكان مندوباً دائماً للبحرين في الأمم المتحدة وعمل أيضاً سفيراً في تونس وغيرها. ومن حسن حظي أنني قرأت معظم كتبه عن الصين ولكن هذا الكتاب الأخير شدني كثيراً لأن السفير الكاتب برع في الكتابة وأظ هر أهمية دور السفير من دون أن يعبر عن ذلك صراحة بل ركز على اتصالاته ومقابلاته مع كبار المسؤولين الإيرانيين طوال السنوات الثماني التي قضاها واختلط بالمجتمع الإيراني وتعرف على ثقافته وشخصياته وتاريخه منذ ما قبل الإسلام ثم مرحلة الإسلام ثم المرحلة الشاهنشاهية وأخيراً عايش كسفير في مرحلة الخميني وكان السفير شجاعاً في تناوله للأفكار والآراء والشخصيات بموضوعية. والكتاب يضم 211 صفحة بما في ذلك المراجع التي تأخذ صفحتين، كما أنه لا ينسى وضع بعض الصور التي تضمنت بعض لقاءاته.
ونظراً لأنه من شبه المستحيل تلخيص الكتاب بما يحمله من أفكار وآراء ومواقف فسوف نكتفي بذكر مجموعة من الملاحظات على النحو التالي.
الأولى: يقع الكتاب في 24 عنواناً دون أن يوضح أنها فصول أو أبواب ولكن يوضح التمهيد أهم ملاحظاته على الخميني وعنفه الشديد ليس ضد خصومه فحسب بل ضد بعض من ساعدوه ومدوا له يد العون في سنوات المنفى، وهذا كما أشار الكاتب، دليل على أن الثورات تأكل أولادها وهذا ما حدث مع الثورة الفرنسية، أكثر الثورات شهرة، ثم مع ثورة الخميني أكثر الثورات الإسلامية شهرة وعنفاً وكلا الثورتين اتسمت بالمحاكمات والإعدامات الكثيرة في المرحلة الأولى لوصول قادتها للسلطة ثم استقرت القيادة لشخصية واحدة في إيران «الولي الفقيه» صاحب القرار في كل صغيرة وكبيرة. وهي نظرية لا يقرها كثير من كبار علماء المذهب الشيعي ولذلك تخلص من كل من عارضه مثلما حدث مع الثورة الفرنسية في عهد روبسبير.
الثانية: إنه من السفراء المثقفين الذين يدرسون تاريخ البلاد التي يعملون بها ويتعرفون على حضارتها بل وأكثر من ذلك أنه كان من محبي السفر فزار العديد من دول العالم وكتب عن حضارتها وتراثها وآثارها سواء في الشرق الاوسط أو غيره. والكتاب الذي نحن بصدده يعد من وجهة نظري موسوعة ثقافية عن حضارات بقاع كثيرة من العالم.
الثالثة: إن المؤلف أظهر سيئات ما سمي بـ «الثورة الإسلامية» وتناقض سلوكياتها وتصرفاتها مع الإسلام الذي ترفع اسمه فالنبي عليه الصلاة والسلام عندما عاد لمكة بعد فتحها أعلن العفو العام عن خصومه قائلاً «اذهبوا فأنتم الطلقاء». أما الإمام الخميني فقد عاد بعد انهيار نظام الشاه ولكنه انتقم من خصومه وكثير من معاونيه وممن أسدوا له خدمات في عصر العسرة وعن كبار الشخصيات الذين شغلوا مناصب في بداية الثورة بما في ذلك الولايات المتحدة .
الرابعة: إن السفير حسين الصباغ تناول دعاوى إيران في عصر الشاه ضد البحرين وأمكن للاخيرة تحقيق استقلالها بعد جهود بذلتها الدولة البحرينية ممثلة في المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان، وصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، وسمو الشيخ محمد بن مبارك، نائب رئيس مجلس الوزراء، الذين أداروا الأزمة باقتدار وكذلك دفة السياسة الخارجية قبل وبعد الاستقلال. وأوضح المؤلف الدور الذي لعبته بريطانيا من أجل إقناع طهران بالتنازل عن ادعاءاتها كما أبرز دور الأمم المتحدة التي أجرت استطلاع رأي لأول مرة لمعرفة رغبة الشعب البحريني فكان الاستقلال والعروبة والسيادة والعلاقات الطيبة الحسنة مع جميع جيرانها ثم عرض دعاوى كبار العلماء مثل آية الله صادق روحاني وغيره من المتشددين في القيادة الإيرانية ودعوة آية الله حسين منتظرى لتصدير الثورة وتناول الكتاب ما أسماه الصدام الدموي بين المجتمع الإيراني والسلطة الحاكمة ممثلة في الخميني. وللحديث بقية.
* خبير الدراسات الاستراتيجية الدولية