ثمة ثلاث حقائق ترتبط بالإسلام كدين وكعقيدة مهمة من العقائد العالمية الكبري هي:
الأولى: أنه يقوم على التسامح والمساواة والعدالة.
الثانية: أنه يدعو للسلام لقوله تعالى «وإِن جنحوا للسلمِ فاجنحْ لها»، إلا إذا ظلم المسلمون في دينهم وأوطانهم.
الثالثة: أنه يعلي شأن الوطن قبل أن يظهر مفهوم الوطن لدى الشعوب الأخرى، ولعلنا نذكر حب الوطن في الإسلام من دليلين، أولهما ما ورد في القرآن الكريم في سورة البلد حيث أقسم الله سبحانه وتعالى مخاطباً رسوله بقوله: «لا أُقسمُ بهذَا البلدِ، وأنتَ حلٌّ بهذا البلدِ، وَوَالدٍ وَمَا وَلدَ»، وهذا تعظيم للبلد الذي يولد فيه الإنسان وبالمصطلح الحديث إنه تعظيم لمفهوم الوطن. ثانيهما عندما خرج الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة مهاجراً نظر إلى مكة قائلاً «إنك أحب بلاد الله إلى الله وأحب بلاد الله إليّ ولولا أن قومك أخرجوني ما خرجت»، وهذا دليل واضح على حب الرسول لمسقط رأسه أي وطنه.
لقد انتشر الإسلام في الصين منذ عهد الخليفة عثمان بن عفان وذلك عندما سافر بعض المسلمين للصين من أجل التجارة ومن خلالها نشروا الإسلام وهذا حدث في إندونيسيا أكبر بلد إسلامي فانتشر الإسلام نتيجة التجارة وهجرة بعض المسلمين من اليمن لتلك البلاد ساعين للتجارة، وهذا يرتبط بأمرين، أولهما أن الإسلام كدين نظر لحرية السفر والتنقل بقوله «ألم تكن أَرْضُ اللَّهِ وَاسعةً فتهاجرُوا إليها»، «سورة النساء، الآية 97». وقول الرسول عليه الصلاة والسلام «تسعة أعشار الرزق في التجارة»، وهذا تعبير عن الأوضاع الاقتصادية في الجزيرة العربية بما يعني ارتباط الدين الإسلامي بالبعد الاقتصادي في حياة البشر وأيضاً المقولة السائدة «أطلبوا العلم ولو في الصين»، وهي منسوبة للرسول الكريم، وهذا أيضاً دلالة على إيمان الإسلام بالعلم والاقتصاد فهما صنوان، وأحد أساس لحياة البشر الذين يعتنقون الإسلام، وثانيهما حرص الإسلام كعقيدة وتجلى ذلك في دعوة رسوله الكريم بحض المسلمين على البحث عن العلم والسعي للتعلم أينما كان. والصين آنذاك في القرن السابع الميلادي كانت حضارة عظيمة حتى قبل ذلك بعدة قرون.
حضارة الصين استيعابية وتسامحية ولذلك احتضنت الصين هذا المفهوم عبر تراثها وفلسفتها وهذا يتجلى في المقولة المشهورة في حضارة الصين القديمة «دع مائة زهرة تتفتح ومائة مدرسة فكرية تتبارى»، وهذا ما يمكن أن نسميه الانفتاح الثقافي الداخلي في إطار الوطن، ومن ناحية أخرى لم تسع الصين لنشر فكرها وثقافتها في البلاد الأخرى، وأطلقت على نفسها الدولة الوسطى أو المركزية وباللغة الصينية «Zhonggou»، ولم يعرف عن الصين في تاريخها وحتى الآن أنها غزت أية دولة أو استعمرت دولة أخرى بدعوى نشر الحضارة أو نشر الدين، على العكس من ذلك نظرت الصين لدول الجوار بمفهوم الخوف على أمتها وحضارتها، ولذلك بنت سور الصين العظيم تأكيداً لاهتمامها بالأمن والحفاظ على حضارتها.
وعندما وصل المسلمون للصين في بداية التاريخ الإسلامي كانوا موضع ترحيب من ناحية، وخوف من ناحية أخرى، وزاد ذلك الترحيب عندما تعرف الصينيون على سلوك المسلمين السلمي، واستمرت الصين في ذلك التسامح تجاه المسلمين خاصة في عهد أسرة تانج Tang التي عاصرت الدولة العباسية ودخلت الصين في التجارة مع دول شرق إفريقيا ومع الدولة العباسية والخليج العربي، وكانت أشهر رحلة تجارية عندما قام البحار الصيني المسلم جونج خا Zheng-he بقيادة أرمادة من عدة مئات السفن وقام في فترة قصيرة بثماني رحلات لإفريقيا وجنوب غرب آسيا وغرب آسيا، وكان هذا القائد الصيني العظيم من المسلمين الصينيين الذين آمنوا بوطنهم الجديد وأحبوه وعملوا من أجل ازدهاره، كما إن طريق الحرير الذي انطلق من الصين عبر آسيا شمالاً وجنوباً وعبر المحيط الهادي والهندي أساسه التفاعل التجاري والحضاري والثقافي بين الصين والعالم.
من هنا نجد أن الصين كانت من أكثر الدول ترحيباً بالمسلمين وتزوج المسلمون منهم فأدى لإنجاب خليط أطلقوا عليه اسم Hui، ولكن بعض المسلمين من أعراق أخرى لم يستوعبوا الدعوة الإسلامية الصحيحة، واعتنقوا فكراً انفصالياً كما في بعض مناطق الحدود في شمال غرب الصين، وهذا ترفضه الصين ويرفضه الإسلام كمبدأ وتحاربه الصين أياً كانت العقيدة التي يعتنقها أمثال هذه الأقوام كما في موقف النظام الصيني عبر العصور من سينكيانج الإيجورية أو التبت. فالانفصال عن الدولة المركزية تحت أية دعاوى مرفوض تماماً، وهذا يتماشى مع القانون الدولي الحديث ومع تاريخ الصين التي تؤمن بمبدأ وحدة الدولة منذ أن تم توحيدها في عام «221 ق.م» علي يد أسرة تشين.
وصفوة القول من واقع الخبرة العملية والدراسة النظرية أن المسلمين في الصين يمارسون عقيدتهم وشعائرهم بحرية تامة كما يمارس المسيحيون واليهود والبوذيون والتاويون وغيرهم، ولكن المرفوض في الصين أية دعوات للعنصرية أو الاستعلاء والانفصال.
* متخصص في الدراسات الصينية