إن الإضافات المبتكرة لدستور الحزب مع كل زعيم كانت هي الكفيلة بعدم تعرض الحزب للجمود كما حدث في الأحزاب الشيوعية الأخرى. ولتحقيق ذلك كله فان الاقتصاد الذي هو فخر للحزب الشيوعي الصيني وقياداته المتعاقبة منذ دنج سياو بنج ينمو بمعدل أكثر من 10% سنويا وفي السنوات الأخيرة ينمو بمعدل يقترب من 7% وهذا الانخفاض هو «عملية حسابية ترتبط بطريقة حساب نسبة معدل النمو والإنتاج وهو لا يعبر عن حقيقة الإنتاج الكلي المحلي ويكفي للدلالة على ذلك أن الناتج المحلي الصيني يساهم بـ 30% من النمو العالمي وأصبح القضاء على الفقر في السنوات الأخيرة على وشك الإنجاز فقد انخفض عدد الفقراء إلى 43.4 مليون نسمة بعد أن كان نحو 90 مليونا في بداية حكم الرئيس شي جينبينغ. كما تحسن مستوى الدخل للقطاعات الأخرى والمهن الأخرى في المجتمع. وارتفع الناتج القومي الإجمالي إلى 12 تريليون دولا لعام 2016، والاقتصاد الصيني هو القوة الثانية في العالم. كما يتحول اليوان الصيني تدريجياً إلى عملة عالمية بعد أن اعترف به صندوق النقد الدولي كعملة رسمية وأصبح إجمالي الاحتياطي الرسمي 3.9 تريليون دولار في عام 2016.
كما أطلق الرئيس شي جينبينغ مبادرة هامة في التنمية الاقتصادية والسياسة الخارجية وهي مبادرة طريق الحرير والحزام وهو ما أصبح يطلق عليه اختصاراً تعبير «طريق واحد وحزام واحد» والهدف العالمي لمبادرة الرئيس شي جينبنج هو بناء عالم جديد يقوم على أساس «التعاون والازدهار والتقدم»، بعيداً عن الصراعات الإقليمية والدولية وهو ما كان يطلق عليه في البداية» بالصعود السلمي للصين.
ومن الجدير بالإشارة إلى أن القادة الصينيين كانوا قبل الرئيس شي جينبينغ يتحدثون عن أن الصين دولة نامية كبيرة، وقد قال لي الرئيس الصيني جيانج تزمين عندما قدمت أوراق اعتمادي، أنني قرأت كثيراً عن الصين وحضارتها، وأننا يجب ألا نخدع بالتقدم في بكين والمدن الكبري بل يجب أن أذهب للريف والمناطق الشعبية لأجد الصين ما زالت دولة نامية وبها نسبة عالية من الفقر. وأكبرت هذا التواضع من الرئيس جيانج تزمين خاصة أن مثل هذا التواضع لا نجده في الشرق الأوسط.
الجديد في فكر الزعيم الصيني وقائد المسيرة للسنوات القادمة الرئيس شي جينبينغ أنه يؤكد أن الصين دولة قوية وأنها تسعى لاستعادة حضارتها العريقة العظيمة وأن فكره هو المرشد للتطور الصيني حتى عام 2050 وعندئذ تصبح قوة عظمى يحسب لها حساب. إن مبادراته لطريق الحرير وللتعاون السلمي والصعود السلمي للصين هو أداة من أدوات الازدهار والتنمية في الفترة القادمة لتسترد الصين مكانتها كدولة عظمى منذ الحضارة العريقة التي دمرها الفساد والاستعمار. وأخذ الصينيون يرددون أن ماو تسي تونج حقق الوصول للسلطة للحزب الشيوعي الصيني وأن دنج سياو بنج حققت المعجزة الاقتصادية وهو الذي جعل الصين القوة الثانية في العالم من حيث الإنتاج الإجمالي والأولى في حجم الصادرات على مستوى العالم والثانية في إجمالي الناتج الوطني والدخل القومي والتجارة الدولية على مستوى العالم. وإن فكر شي جينبينغ سيقود الصين نحو تحقيق الصين للهدف وهو أن تصبح القوة العظمي وتكون على استعداد لقيادة العالم بحلول عام 2050.
والواقع أن طموح الرئيس شي يتماشى مع طموح الشعب الصيني الذي يتطلع للتقدم والنمو المرتفع. وهو يشن حربا شعواء على الفساد مما أدى للإطاحة بقيادات عليا في الحزب والدولة فهو يسعى لبناء دولة قوية وعظيمة بلا فساد. ولو استرجعنا للذاكرة فكر شي جينبينغ نجده في أول لقاء له مع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وكان اللقاء موجزاً أثناء عودة الرئيس شي من جولة في أمريكا اللاتينية فتحدث معه عن بناء إطار لعلاقاتهما وتعاملهما الدولي وهذا الإطار يبنى على محور ثنائي يمثل أمريكا والصين.
ولكن الرئيس أوباما لم يفهم المغزى من الاقتراح الصيني آنذاك واستمر في مفهوم القيادة الواحدة للقوة المهيمنة والسعي لمحاصرة الصين وتأليب دول الجوار ضدها لخلافات حول بحر الصين الجنوبي أو بحر الصين الشرقي ولم تفلح محاولات أوباما، فالصين بحضارتها تجد في جعبتها مخزون كبير من الفكر والحكمة، فإذا لم تحقق فكرة ما الهدف النهائي يتم استدعاء فكرة أخرى بديلة من المخزون الفكري الاستراتيجي للحضارة الصينية العريقة والعظيمة، ومن هنا جاء طرح مبادرة الحزام والطريق. ونحن نتمعن في هذا الفكر الإيجابي والبناء الذي ينظر للماضي لاستلهام الحكمة والعبرة منه. وينظر للمستقبل لبناء حضارة جديدة للعالم مستلهمة الحكمة التاريخية لحضارتها العظيمة وبناء القوة العسكرية والاقتصادية والثقافية وليس من منظور الجلوس ودعوة الآخرين للمساعدة أو منظور الحياة في الماضي.