يمثل كتاب الطموح الأحمر ليوسف البنخليل رئيس تحرير جريدة «الوطن» عرضاً موفقاً لقصة التدخل الأمريكي في البحرين خلال إدارة الرئيس باراك أوباما، وهو كتاب موثق وبالغ الأهمية للاعتبارات التالية:

الأول: إن الكتاب اعتمد وثائق رسمية وتقارير من السفارة الأمريكية حصل عليها من ثلاثة مصادر منشورة هي أرشيف وزارة الخارجية الأمريكية، والبرقيات التي نشرتها «ويكيليكس»، والمنسوبة للخارجية الأمريكية، وسفاراتها، والثالث لقاءات للكاتب مع بعض الشخصيات التي ساهمت في الأحداث، في خلال تلك المرحلة المهمة من تاريخ البحرين.

الثاني: إنني عندما قرأت الكتاب بلا توقف استمتعت به لسلاسة اللغة وسهولتها، وهذا محصلة خبرة يوسف البنخليل الصحافية والسياسية والبحثية، وهذه المكونات الثلاثة لخبرة البنخليل.

الثالث: إن الكتاب يسرد تاريخ البحرين الحديث في عهد باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون وعلاقات سفارة الولايات المتحدة وأنشطتها مع القوى السياسية الشيعية والسنية مع تركيز أكبر على القوى الشيعية، ومن هنا نقول إن الكتاب يعد مرجعاً لفترة بالغة الأهمية في تاريخ المملكة وينبغي أن تعقد له عدة ندوات، لتثقيف المواطن البحريني حول تلك الفترة.

وإنني أهيب بالمؤلف أن يعقد عدة ندوات لمناقشة الكتاب في المنتديات الثقافية مثل جمعية تاريخ وآثار البحرين ومركز كانو الثقافي ومركز عيسى الثقافي وجامعة البحرين، وفي المنتديات الشبابية لتوعية الشباب وأيضاً الشيوخ مثل مجلس الدوي وغيره عن أحداث كادت تحدث تغييراً جوهرياً لولا حكمة القيادة الرشيدة وحسن إدارتها للأزمة.

ثمّ اقتراح آخر بأن يكون الكتاب من الكتب التي توزع مجاناً على طلاب المدارس لأهميته وسهولة قراءته، وكانت المدارس المصرية في الخمسينات والستينات توزع علينا قبل إجازة الصيف مجموعة كتب من السياسة والأدب والفكر للقراءة الحرة حتى تشغل وقت الشباب والشابات في فترة الإجازة وعند العودة يتم عمل مسابقة لمن قرأ تلك الكتب وتقدم له بعض الجوائز التشجيعية، وهذا الاقتراح يحقق ثلاثة أمور، أولها: نشر الوعي، وثانيها: تعويد الطلاب القراءة الحرة وملازمة الكتاب كأهم وأخلص صديق، وثالثها: توسيع ثقافته ومداركه وتعميق وعيه وحسه الوطني.

ويقع كتاب البنخليل في 316 صفحة من القطع المتوسط وطباعة جيدة ومريحة للعين المرهقة، وهذا ما جعلني أنكب على قراءته دون توقف. ويسرد الكتاب دور السفارة الأمريكية وبخاصة السفير في التعامل مع قوى المجتمع المدني والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية وخاصة احتفالات عاشوراء وزيارة المجالس الشيعية والسنية على السواء، وهذا السلوك الأمريكي كان انعكاساً للدروس المستفادة من الثورة الإيرانية التي فاجأت الولايات المتحدة بنجاحها والإطاحة بالشاه وإتاحة الفرصة لرجال الدين للسيطرة على السلطة، وكباحث في الشؤون الدولية ونظم الحكم فأنا ضد أي دور لرجال الدين في السياسة وأُؤيد بقوة معاهدة وستفاليا عام 1648 التي فصلت الدين عن السياسة، والإسلام هو دين مدني وليس ديناً يسعى للسيطرة على السياسة، وأهم ما في الإسلام هو السماحة وعدم التعصب ولمن يرغب في معرفة الحقائق بعيداً عن كتابات من يطلق عليهم المتأسلمون أن يقرأ كتب رفاعة رافع الطهطاوي ومحمد عبده وعبد المعطي بيومي بعنوان «الإسلام والدولة المدنية» ولكاتب هذا المقال مؤلف «الإسلام والمسلمون في القرن الحادي والعشرين التحديات والاستجابات»، وأن يقرأ للمفكر البحريني محمد جابر الأنصاري وأيضاً للمفكر الإماراتي جمال السويدي خاصة كتاب «السراب» الذي يتناول موضوع الإسلام السياسي.

إن كتاب البنخليل «الطموح الأحمر»، يوضح مخاطر الخلط بين الدين والسياسة والتدخل الأمريكي وما حدث في البحرين كان يحدث من السفارة الأمريكية والسفير الأمريكي الأسبق في مصر فكان يحضر أهم المجالس الدينية وموالد آل البيت وأولياء الله مثل الإمام الحسين والسيدة زينب والسيد البدوي وغيرها.

وأنا أتساءل مع البنخليل هل هذه من مهمات عمل السفارة والسفير؟ وبحكم عملي الدبلوماسي كنت أحضر المناسبات الاجتماعية والثقافية والسياسية العلنية، لمجرد التعرف على ثقافة المجتمع، ولم نكن نهتم بكتابة تقارير للدولة عن تلك الأمور، لأنها ليست من صميم العمل الدبلوماسي، ولم نكن نتبنى جمعية سياسية أو ثقافية معينة، وإنما تقتصر اهتماماتنا على الاتصالات الرسمية في الدولة، ولكن ربما التقليد الأمريكي يضيف جديداً للمهنة المرتبطة بدبلوماسية ومصالح قوة عظمى مثل الولايات المتحدة.

وتهنئة ليوسف البنخليل على إصداراته الست حتى الآن والتي تعد جميعها دراسة في دبلوماسية القوى الكبرى وعلاقاتها بالدول الأخرى وسعيها لإحداث التغير. كما إن هذه الكتب وخاصة كتاب «الطموح الأحمر» تعد من مصادر الكتابة التاريخية عن مراحل تطور مملكة البحرين وكيفية إدارتها لعلاقاتها مع الولايات المتحدة، وهذا السعي لإحداث التغير في دولة معتمدة لديها السفارة ليس من المهام الدبلوماسية حسب معلوماتي وخبرتي على مدى 38 عاماً في السلك الدبلوماسي المصري. إن اهتماماتنا هي تقوية العلاقات بين الدولتين وليس إحداث تغيير في دولة أو احتضان مجتمع مدني أو جماعة سياسية أو دينية معينة فهذا خارج العمل الدبلوماسي كما عبر عنه أكبر أساتذة الدبلوماسية هارولد نيكلسون في كتابه المعنون «الدبلوماسية».

وشكراً وتحية ليوسف البنخليل فهو كصحافي التزم المهنة بحذافيرها بنقل المعلومات من مصادرها دون تعليق أو إضافة، وذلك حفاظاً على مصداقيته وترك الاستنتاجات والتحليل للخبراء والباحثين والمؤرخين والقراء.