«التيار» أولاً ليس جمعية سياسية أو اثنتين أو حتى أربع جمعيات سياسية، و«التيار» ليس شخصيات قيادية تتصدى وترفع شعاره، سواء كانت تلك الشخصيات إعلامية أو سياسية أو حقوقية، «التيار» جماعات وشرائح واسعة تؤمن بمجموعة قيم مشتركة.
والديمقراطية مجموعة قيم تتسيدها التعددية والقبول بالآخر وتكافؤ الفرص والمساواة والحقوق والحريات الإنسانية، فالديمقراطية ليست صناديق انتخابية ولا مواقع لصنع قرار أي ليست الوصول للسلطة، وما تلك «الانتخابات والسلطة» سوى وسائل للحفاظ على تلك القيم، ومصيبتنا في البحرين أن من رفع شعار «التيار الديمقراطي» خان تلك القيم فخان التيار برمته، وباعها من أجل الوسائل، ولم يختلف في خيانته تلك عن زعامات الجماعات الدينية التي خانت أوطانها وتحالفت مع القوى الإمبريالية والاستعمارية من أجل الوصول لسدة الحكم والقفز على السلطة، وخيبة أمل التيار الديمقراطية في من تزعمه أنه سار على ذات النهج، فأتى عليه زمن يزحف على بطنه أمام السفراء الأجانب ويتحالف مع من لا يؤمن بقيم الديمقراطية إلا بما يحقق له الوصول للسلطة، فلا حقوق مرأة ولا تعددية ولا قبول بالآخر ولا حريات شخصية وكلها أسس من أسس الديمقراطية لا تستقيم دونها.
كل التصريحات والبيانات والخطب التي تتحدث عن «الديمقراطية» وتتحدث عن قيمها، ذرتها الرياح حين تحالف أصحابها مع الجماعات الدينية، وتحالفوا مع رعاة الإرهاب فكانوا يؤبنون الإرهابيين في ذات اليوم الذي يؤبنه مطلوب على قائمة الإرهابيين، ويكررون ذات الدعوة، بأن الطريقة التي كان فيها من يؤبن هي طريقتهم وهي نهجهم، فعن أي ديمقراطية تتحدثون؟
التيار الديمقراطي هم جل شعب البحرين الذي عاش تلك القيم بفطرته وبتشكل نسيجه التعددي وبقيم التسامح فيما بين بعضهم بعضاً قبل أن تتحدثوا باسمه، شعب البحرين أعطى للمرأة حقوقها برضا وقناعة دونما حاجة لمن تقدم ورفع الشعار، لم تخض المرأة نضالاً ولا معارك شرسة لتحصل على حقوقها، تلك كانت فطرة شعب البحرين، نعم هناك جهود بذلت لتعليمها لتوعيتها لتمكينها منذ عشرات السنين، لكنها جهود لم تلقَ مقاومة تستدعي «النضال»، نعم تأخرت بعض حقوقها لكنها لا تصل فترة تأخيرها أو انتظارها إلى ربع ما تأخرت عليه فترة انتظار المرأة في الغرب، دعاة الديمقراطية وأمها.
التيار الديمقراطي في البحرين هم شعب البحرين بشيعته بسنته بنظامه السياسي بمسيحييه بيهوده ببهائييه بصوفييه ببوذييه لكل ملله، فنمت قيمة التعددية دونما حاجة لنضال ومعارك، بنيت الكنائس بقرب المساجد قبل 100 عام ولم يعترض أحد من الشعب البحريني، أليست تلك قيمة ديمقراطية مكتسبة وتراكمية؟
هو الذي أفسح المجال للحريات الشخصية بكل رحابة صدر فتعايش الجميع، وجدت مراكز الترفيه ودور العبادة ولم يفرض قانون من الدولة يلزم أحداً لأيهما يتجه؟ أليست تلك قيمة من قيم الديمقراطية؟
تجانست طوائف ومذاهب بشكل يثير الإعجاب من تلقاء نفسها، عاش شعب البحرين دون حساسية ودون تقسيمات تتكل على إسقاطات تاريخية ودون مفاضلات لفئة على أخرى، هذه تقول جماعتنا مؤمنة وتلك تقول جماعتنا مسلمة، ولم تقسمنا سوى الجماعات الدينية فعاثوا في مكتسباتنا التراكمية من قيم الديمقراطية فساداً بدعوى حماية مصالحنا، وبدلاً من أن يتصدى زعامات الديمقراطية لهم ويحموا تلك القيم التي ناضلت الشعوب الأخرى للحصول عليها، وحصلنا عليها بفضل وعينا وتقدميتنا، باعوها وباعونا جميعاً وتنازلوا عن تلك القيم من أجل مكاسب خاصة لا تزيد عن مقاعد في سلطة تشريعية.. أيا أسفاه.
تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية والرقابة على الموارد وزيادتها وحسن إدارتها كانت مطالب شعبية ومازالت، إنما لن يقبل شعب البحرين أن يتنازل عن مكتسباته من قيم الديمقراطية والتي حمت له نسيجه الاجتماعي لأكثر من قرنين مقابل إصلاحات سياسية تتعهدون أنتم بها، أنتم الذين خنتم العهد حين تنازلتم عن قيمه ومكتسباته فهل لكم من أمان؟
ولم يفوضكم أحد إنما سمحتم لأنفسكم أن تتحدثوا باسمنا وتسلمونا لقمة سائغة لجماعات ترى في مرجعياتها الدينية عصمة لا يسألون فيها ولا يردون.
ولم يفوضكم أحد حين جلستم مع السفراء الأجانب وقررتم معهم مصيرنا ومصير نظامنا السياسي، فتلك خيانة وطنية بالنسبة لشعب حر أبي لا يقبل أن يكون لأي دولة أجنبية كلمة علينا وقبلها تلك خيانة لزمن النضال ضد الاستعمار والاحتلال، أم نسيتم؟
لقد خنتم الأمانة يا من تحدثتم باسم «مجموعة القيم الديمقراطية» وتحدثتم باسم «التيار» من جمعيات سياسية إلى مثقفين إلى حقوقيين إلى ناشطين إلى... كنا بخير قبل أن تتحدثوا باسمنا، فلا أبقيتم للقيم معياراً ولا توجكم التيار زعماء له... وفوق هذا وذاك خنتم الأمانة وخيبتم ظننا.. فقليلاً من الحياء.