ما الذي يجبر إيران في ظل هذه الأزمة الاقتصادية وتراجع أسعار النفط إلى رفع ميزانية هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية من مليار ونصف إلى 3 مليارات دولار؟
ما الذي يجبرها على وضع ميزانية الإعلام ضمن موازنة وزارة الدفاع؟ ما الذي يجبرها على وضع المؤسسة الإعلامية تحت «خامنئي» مباشرة يعين من خلال اختصاصاته رئاسة المؤسسات الإعلامية؟ الجواب عن هذه الأسئلة باختصار أنه إدراك ووعي وفهم واستيعاب القيادة الإيرانية أن الإعلام هو رأس الحربة لإيران في دفاعها وفي هجومها وفي تجنيدها لعملائها، باختصار هو رأس الحربة لإيران في مشروعها السياسي المحلي والإقليمي والدولي.
أحد الإعلاميين اللبنانيين ويدعى طوني بولس أجرى حصراً للقنوات المدعومة إيرانياً والناطقة باللغة العربية فوجد أن إيران تقف بشكل مباشر ومكشوف خلف فضائيات لبنانية وعربية أبرزها «المنار» و«الميادين» وقناة «العالم» وإذاعة «النور»، إضافة إلى قنوات تحريضية ناطقة بالعربية وكل منها تتخصص بدولة، فمثلاً قناة «نبأ» متخصصة بالتحريض على النظام السعودي، قناة «المسيرة» تدعم الحوثيين، «اللؤلؤة» للتشهير بالسلطات البحرينية، قناة «القدس» التابعة لحركة حماس تستهدف إعطاء النكهة الإيرانية للمقاومة الفلسطينية.
ومن أجل تعزيز المشروع الإيراني في العراق كمثال آخر خصص مكتب المرشد الإيراني علي خامنئي مليار دينار عراقي «750 ألف دولار» لمن يؤسس محطة تلفزيونية أرضية وثلاثة مليارات دينار عراقي «مليوني دولار» لكل من يطلق فضائية جديدة سنوياً، على أن يكون المؤسسون من أتباع آل البيت ومعروفين بنشاطاتهم السياسية والفكرية والدعوية في خدمة المذهب الشيعي الاثني عشري وبالأخص ونضع سطرين هنا أن يكون من مقلدي المرجع الإيراني علي خامنئي، وطبعاً استطاع «حزب الله» استقطاب العديد من هذه القنوات وزرعها في بيروت ومنها قناة «العهد» و«آسيا» و«الاتجاه» باللغة العربية والإنجليزية.
لم يقتصر أمر هذه المنظومة الإعلامية «الحزب-إيرانية» على بناء شبكة من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة الموالية والتابعة له، بل عمدت هذه المنظومة إلى زرع إعلاميين موالين لإيران في فضائيات عربية وعالمية بحيث تكون تغطية الخبر من لبنان والضيوف من محللين وخبراء وفقاً للأجندة الإيرانية، إضافة إلى تجنيد عدد من المحللين وأساتذة الجامعات بحيث يطلبون كضيوف على سلسلة من الفضائيات يروجون لسيناريوهات معينة في القضايا الساخنة تخدم الرؤية الإيرانية. وضمن الاستراتيجية أيضاً إنشاء ودعم عدد كبير من الصحف والمواقع الإلكترونية كجريدة «الأخبار» وموقع «العهد» وغيرها الكثير، والتي يحرص «حزب الله» على إنشاء بعضها بطابع علماني وآخر بطابع ديني متستراً ببعض الأبواق السنية حيناً والمسيحية حيناً آخر لتغليف «سمومه» بتنوع ثقافي وببعد وطني.
ويقدر عدد العاملين في هذه المؤسسات الإعلامية بحوالي ألفي موظف مسجلين تحت اسم شركة واحدة، ومكاتبها تقع في المنطقة الجغرافية الخاضعة لإشراف ونفوذ حزب الله، في منطقة «الجناح - بئر حسن» نظراً لموقعها الاستراتيجي القريب من المطار والعاصمة والضواحي، وطبعاً على بعد أمتار من سفارة الولي الإيراني الذي خصص أيضاً بالمنطقة نفسها مباني خاصة لبعض الإرهابيين العرب والمطلوبين من دولهم حيث يتمتعون بإقامة آمنة وإمكانية الظهور المتلفز واستلهام الأجندة التحريضية مما يسمى الملحقية الثقافية للسفارة الإيرانية. انتهى
ما ترونه إذاً من صور وتضخيم لرموز وبطولات وهمية لأسماء هي صناعة هذه الماكينة، المواقع الإلكترونية التي تستهدف البحرين من نتاج تلك الماكينة «المؤسف أننا نساعدهم في ترويج موادهم» وانتماء وولاء من عدد كبير من شيعة عرب لإيران هو نتاج لعملية غسيل الأدمغة التي قامت بها تلك المنظومة الإعلامية وأقنعت من خلالها شرائح كبيرة من شيعة العرب بالتخلي عن انتمائهم العربي والارتماء بالحضن الفارسي تجنيداً وعمالة، هو نتاج عمل تلك الماكينة الإعلامية التي كانت جزءاً من موازنة الدفاع.
إيران حسبتها 3 مليارات دولار فقط هي موازنة تجنيد جيش عميل من الشيعة العرب لتحويلهم لعملاء يخدمون الأجندة الإيرانية، تلك العملية لا تعد كلفة كبيرة مقابل ما حصلت عليه إيران من طابور خامس، نجى من نجى منهم بصعوبة من هذا الفخ وأمسك على الجمر وبقي محتفظاً بعروبته وبانتمائه الوطني ويعيش هو وسط بيئة تحاصره تمنعه من الحراك، وعانت شرائح عديدة من صراع يمزقها بين ما تبثه تلك القنوات ليل نهار حول ضرورة اتباع المرجع الإيراني والفارسي كجزء من الإيمان وشرطاً للجنة وبين ولائها لأرضها ولعروبتها.
3 مليارات دولار تعد ثمناً بخساً لنتائج بهذا الحجم، جنب جيشها المواجهة ووقوع خسائر بشرية في صفوف الشيعة على مساحة تمتد في جميع الدول العربية حتى وصل إلى أفريقيا، وجند بها الآلاف من الشيعة يقومون نيابة عنها بخدمة مشروعها، للعلم ميزانية الدفاع الإيرانية لعام 2017 تبلغ 10 مليارات دولار.
إيران وفرت بسخائها على الإعلام ما كانت ستصرفه على قطاعات أخرى، هذه هي قوة الإعلام وما يستطيع أن يفعله، وهذا إدراك من الدولة الإيرانية أن الإعلام سلاح ليس سياسياً فحسب بل عسكرياً كذلك بإمكانه أن يغير قناعات ويعزز انتماءات ويحتل به دول.
زبدة الكلام، لو كنا نملك نصف التقدير الإيراني لقوة الإعلام كسلاح سياسي لما تركناه يصارع بحثاً عن مصادر تموله!!