هل هناك فرصة لبناء دولة فلسطينية، ودولة لبنانية؟ الافتقار إلى «الدولة» بأبسط وأقل استحقاقاتها هو العائق الآن أمام أي مفاوضات لليوم التالي في غزة، وفي لبنان، وكلنا نعلم أن إيران كانت وراء هذا العائق الكبير بتحكمها في مصير تلك الشعوب وتسليط من يواليها عليهم.أما إسرائيل، فسيكون وضعها «السياسي» تحديداً في أضعف حالاته مما سيجبرها على التفاوض أكثر من وضعها العسكري، كما قال يوآف جالانت وزير الدفاع الإسرائيلي قبل يومين «سنضطر حتماً أن نقدم تنازلات مؤلمة من أجل استعادة الرهائن؛ لأن الخيار العسكري غير كافٍ» بمعنى آخر أن التفاوض على الحلول السياسية هو المطروح الآن عند الجميع، لا من أجل الرهائن فحسب إنما من أجل إعلان (الانتصار) الإسرائيلي، إذ حانت الساعة التي يتعذر بها نتنياهو في استمرار بطشه، والسؤال المهم هل الفلسطينيون واللبنانيون مستعدون لهذه المرحلة؟المؤسف أن الاتفاقات الهشة بين السلطة الفلسطينية وحماس التي تتم الآن برعاية مصرية قطرية ليست كافية لضمان انتقال السلطة في القطاع، وهذا ما تتمنى إسرائيل حدوثه واستمراره حتى لا تُجبر على خيار تسليم السلطة والانسحاب من القطاع بضغط دولي وحتى إسرائيلي على حكومة اليمين، وكذلك الحال في لبنان، إذ إن هشاشة الاتفاقات بين القوى السياسية اللبنانية هي المبرر الآخر الذي ستتمسك به إسرائيل لتبرير احتفاظها بالجنوب اللبناني، ومع الأسف أننا نمنحها تلك المبررات.أما التدخل الإيراني، فسيظل موجوداً بوجود (رجال إيران) في حزب الله وحماس، بالرغم من ضعف موقفهم التفاوضي نتيجة الخذلان الإيراني لهما، إلا أن المصالح الخاصة للوكلاء ستفرض نفسها، ولو عن طريق التعطيل والتلكؤ.وهنا نستذكر أهمية أبسط مقومات الدولة التي تضمن على الأقل سيادتها بوحدة السلاح وبوجود البنية التحتية المؤسسية لاتخاذ القرارات المشتركة، ولبنان والقطاع يفتقدان الاثنين.ومما يؤسف له أن الكوارث التي حلّت بالشعبين لم تكن كافية لتجاوز تلك العقبات وتقديم الإيثار على النفس عند الممسكين بالخيوط الهشة للقرار، لذلك لابد مما لابد منه وهو الضغط العربي، وبالأخص السعودي الإماراتي على القوى السياسية هناك، من أجل إصلاح هذا الخلل الخطير، خاصة وأن حكومة نتنياهو ستكون في أضعف حالاتها السياسية بعد وقف إطلاق النار والشعب الإسرائيلي منهك، ويبحث عن ضمانات للسلام ولا يمكن لغير الدول العربية الكبرى أن تقدمها في ظل غياب الدور الإيراني وضعفه.أما الولايات المتحدة الأمريكية، فستكون قد انتهت من الانتخابات وكِلا المرشحين قدّما وعوداً (وإن كانت غير مضمونة) لخارطة للسلام الدائم في المنطقة، إنما غياب العائق الإيراني سيضع ثقلاً تفاوضياً في صالح الجانب العربي.كل ذلك يُثبت أن «إيران» كانت هي العائق الأكبر أمام قيام «دولة فلسطينية ودولة لبنانية» وما كانت لتحصل على هذا الموقع لولا وجود من قَبِل ببيع وطنه مقابل السّلطة.أما الآن ففي يد القوى السياسية في الدولتين فرصة لن تتكرر إن هم تعاونوا مع الدول العربية المؤثرة ليعيدوا بناء أُسس واستحقاقات الدولة في أبسط صورها.