الروح التي أحاطت بعودة البحرينيين من اليمن هي الروح الجامعة «للهوية الوطنية» البحرينية التي تضع القائد والنظام والمواطن في إطار جامع واحد، كل يقدّر الآخر.
الأولوية التي ركز عليها جلالة الملك حفظه الله في جميع خطاباته وآخرها خطابه في افتتاح دور الانعقاد الأخير للسلطة التشريعية عن «الهوية الوطنية» القصد منها حتى لا يأتي يوم على أي بحريني ويكون ضائعاً كما ضاع أهل الضاحية الجنوبية اللبنانية الذين برضاهم أو رغماً عنهم تخلّوا عن هويتهم الوطنية وتخلّوا عن دولتهم ولبسوا هوية غريبة على «أرزتهم» رمزهم الموحد.
وحِرصُ جلالة الملك على تعزيز الهوية الوطنية نابعٌ من حبه لأهله وناسه وشعبه وعدم قبوله بأن يُهان أي بحريني فيجد نفسه ضائعاً خارج إطار الدولة يتخلّى عنه من غرّر به، هو يقول إن الدولة تفتح ذراعيها لكل من يواليها، لكل من يضع هويته البحرينية أولاً.
وزير الداخلية الذي زار أهل الدراز ونبّههم للوضع الخطر الذي تمر به المنطقة كان بتوجيه من جلالة الملك، حيث قال لهم لا نودّ أن نعود إلى عام 2011، أي لا نودّ أن نرى بحرينياً يُنازع الدولة فيضيع كما ضاع شيعة لبنان، لا نودّ أن نرى بحرينياً فاقداً لهويته الوطنية.
مجلس الوزراء حين قرّر البدء في دراسة لقياس مدى رسوخ قيم الهوية الوطنية يجب أن يبدأ الآن وفوراً عند كل منبر يدعو لهويات خاصة فيمنع فوراً دون أي اعتبار لأي ما كان، سواء أكان ذلك المنبر دينياً أو ثقافياً أو تحت أي مسمّى، فلا وجود لمثل هذه المنابر الآن، المنابر الوحيدة المسموح بها هي التي ترفع علم الدولة البحرينية وتحترم هويته الوطنية.
فجميع الدول التي تهاونت فيها الحكومات مع مشروع هدم وسلخ وانتزاع وقتل كل ما يُعنى بالهوية الوطنية وتعزيز الهويات الخاصة كالمذهبية أو العرقية أو غيرها، جميعها دفعت ثمن هذا التهاون غالياً وكثيراً، ونحن نرى ذلك في بث مباشر لا يترك مجالاً للشك.
الدول التي تراجعت عن مسؤوليتها في حماية الهوية الوطنية تحت مسميات احترام خصوصيات الانتماءات، عرقية كانت أو مذهبية أو دينية، وتهاونت في ردع الانسلاخ الممنهج للهوية الوطنية هي الدول التي أتاحت الفرصة للتدخلات الأجنبية تحت مبرّرات حماية تلك الهويات الخاصة أو رعايتها، تلك الدول ما عاد فيها «دولة» بل ارتهنت مصائر شعوبها لأجندات الدول الأجنبية، حتى تجرَّأ رئيس البرلمان الإيراني وبكل وقاحة أن يصرّح أن إيران مستعدة للتفاوض على وقف إطلاق النار في لبنان!
لذا فإن جلالة الملك حين يكرّر موضوع «الهوية الوطنية» ويضعه ضمن أولوياته فذلك لأنه يعايش آلام تلك الشعوب المبعثرة، التي تفتقد أبسط مقومات العيش، ويحاول أن يجنّب شعبه وأبناء وطنه هذا المصير.
البحرين في عين العاصفة، وهذا معروف، ومحاولات انتزاع أبنائها وسلخ هويتهم الوطنية مستمرة حتى اللحظة، والدولة تعطي الفرصة تلو الأخرى للمغرّر بهم، ومع الأسف تُقرأ هذه «الفرص» على أنها فسحة ومجال للتمدّد.
الرسالة الأخيرة
نحن لسنا في وضع «تعزيز» الهوية حتى تكون رسائلنا خفيفة وسلسة، نحن في وضع «غرس» الهوية من جديد وإعادة تركيب قطعها المبعثرة، في وضع استعادة مجاميع كبيرة لهويتهم البحرينية وتذكيرهم بأنهم بحرينيون أولاً وأخيراً، لا من أجل الدولة، بل من أجلهم ومن أجل مستقبل أبنائهم ومن أجل عزّتهم وكرامتهم، نصيحتي املؤوا الفراغ قبل أن يستحوذ عليه آخرون.