بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وظهور الردّة في مناطق مختلفة من الجزيرة العربية، ورغم أنّ هذه الحركات قد شكّلت تهديداً لوحدة الدولة الإسلامية الوليدة، إلا أنّ أهل البحرين أثبتوا ولاءهم للدين الجديد، ودافعوا بشجاعة عن وحدته. فقد كان لهم دور محوريّ في التصدي للمتمردين، والدفاع عن حياض الإسلام. فبفضل ولائهم للخلافة الراشدة، وتعاونهم مع الجيوش الإسلامية، تمكّنوا من إخماد فتنة الردّة المحدودة في منطقتهم، وحماية المنطقة من أي تهديدات خارجية.
عوامل ثبات أهل البحرين:
كان ممّا ساعد على ثبات أهل البحرين وتمسكّهم بدينهم ووحدتهم، الإسلام الراسخ، حيث كان للإسلام جذور عميقة في نفوس أهل البحرين، ممّا جعلهم يرفضون أي محاولة لتقويضه أو التشكيك فيه. كذلك وجود القيادة الحكيمة حيث لعب القادة المحلّيون في البحرين، مثل الجارود العبدي، دوراً مهماً في توجيه الرأي العام نحو الصواب، وحثّ الناس على التمسّك بالإسلام. علاوة على ذلك أظهر أهل البحرين تعاوناً وثيقاً مع الخلافة الراشدة، ممّا ساهم في تعزيز وحدتهم وتماسكهم.
مراحل التصدّي للتمرّد المحدود والقضاء عليه: أدرك الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه خطورة هذه الحركات، وأرسل جيوشاً قوية إلى مختلف المناطق التي شهدت تمرّداً، بما في ذلك إقليم البحرين. وقد قاد الجيش الذي أُرسل إلى البحرين العلاء الحضرمي رضي الله عنه، الذي تمكّن بفضل بسالته وحكمة قيادته من القضاء على المرتدّين والمتمرّدين واستعادة الأمن والاستقرار في المنطقة، وقد شهدت مراحل القضاء على الرّدة والتمرّد ثلاث مراحل، بدأت الأولى حيث عانت قبيلة عبد القيس من الجوع الشديد، بسبب فرض المتمرّدين بقيادة الحطم بن ضبيعة حصاراً محكماً عليهم في ناحية جواثا، فأرسل شاعرهم رسالة استغاثة إلى الخليفة أبي بكر الصديق مُخبِراً إياه بخطورة الموقف وطالِباً النُّصرة، فبادرت الخلافة على الفور بإرسال جيش بقيادة العلاء الحضرمي، والذي عجّل في الوصول إلى البحرين، وقد انضم إلى جيش العلاء أثناء دخوله البحرين بطون متعددة من قبيلة تميم وغيرها ليصبح عدد جيشه قرابة 6000 مقاتل، ممّا يؤكّد محدودية التمرّد وثبات أهل البحرين على الإسلام، ففرض حصاراً على المتمرّدين الذين كانوا يحاصرون جواثا، وبعد التنسيق مع قبيلة عبد القيس نجح في تحقيق النصر وفك الحصار وإلحاق هزيمة كبيرة بالمتمرّدين؛ فقتل قائدهم الحطم بن ضبيعة وأَسَرَ المنذر الغرور، وهكذا انتهت الصفحة الأولى من معارك العلاء وأهل البحرين مع المتمرّدين، فهرب من هرب منهم إلى مُدُن الساحل حيث الغابة والزارة والتحقت بهم حامية الفرس الساسانيين بقيادة المرزبان المكعبر مع بعض الجاليات الأجنبية خاصّة القادمة من الهند والسِند، فانتقل العلاء وجيشه ومن معه من أهل البحرين إلى المرحلة الثانية بعد أن أمّن ظهر جيشه بالتنسيق مع أحد بطون قبيلة بكر بن وائل وهم بني شيبان الذين تعهّدوا بحماية أطراف البحرين ومنع تسلّل المتمرّدين إلى داخلهم، وقد تمكّن العلاء من فتح الغابة والزارة والانتصار على المرتدّين وقتل المرزبان المكعبر. وفي المرحلة الأخيرة تطلّبت الأوضاع العسكرية الوصول إلى جزيرة دارين. قدم كراز النكري مشورته، وحاصر المسلمون فلول المتمرّدين هناك. ثم انتهت المعركة بفوز المسلمين وحصد غنائم كبيرة، ممّا أدى إلى إنهاء ردّة البحرين.
أهل البحرين: ولاء وثبات
تتجلّى قوة ولاء أهل البحرين وثباتهم في مواجهة تحديات الرّدّة التي هدّدت الوحدة الإسلامية. فقد كان لهم دور محوري في الحفاظ على وحدة الدولة الإسلامية، حيث تمكّنوا بفضل تعاونهم مع الخلافة الراشدة من إخماد الفتن ومنع تفكّك الدولة الوليدة. كما تُعزّز هذه الجهود من مكانة الإسلام، إذ أثبت أهل البحرين أنّ الإسلام دِينٌ قويّ ومتماسك، وقادرٌ على مواجهة التحديات مهما بلغت صعوبتها. كما أن تمسّكهم بقيمهم وولائهم للدِّين الجديد يعكس عُمق إيمانهم وإرادتهم. علاوة على ذلك، ساهمت جهود أهل البحرين في بناء دولة إسلامية قوية وعادلة، حيث أسّسوا نموذجاً يُحتذى به في الالتزام والانتماء. إنّ قراءة هذا التاريخ يذكّرنا بأهمية التعاون والوحدة في مواجهة الصعوبات.
باحثة أكاديمية في التاريخ الحضاري لمنطقة الخليج العربي