يُمثّل إقليم البحرين امتداداً بشرياً وجغرافياً واجتماعياً وثقافياً لجزيرة العرب؛ بدءاً بالعنصر السامي ثم قبائل العرب البائدة، وتأثّر المنطقة بالمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي شهدتها الجزيرة حيث تتابع القبائل العربية استقرارها في البحرين من غرب الجزيرة وجنوبها منذ مطلع التاريخ الميلادي وتحالفها على الإقامة والتآزر في ما تعارفت عليه من التنقل ضمن محيطها الجغرافي لأسباب متعددة كالبحث عن الأراضي الخصبة أو بسبب الحروب، فقد كانت المنطقة مركزاً لاستقطاب سكاني بارز نظير ما تتميّز به من موقع جغرافي مهم، ووفرة مصادر المياه فيها، وانخراط سكانها في التجارة وصيد الأسماك واستخراج اللؤلؤ. وكان من أبرز هذه القبائل العربية: قبيلة عبدالقيس، وربيعة الوائلية وتميم والأزد وغيرها من القبائل التي أصبحت ذات ثقل بشري وخلّدت أثراً في كافة الجوانب.

عبدالقيس

وهم بنو عبد القيس بن أفصى ولحق بهم جزء كبير من بني عميرة بن أسد بن ربيعة اختاروا الانفصال عن ربيعة على إثر حربهم مع بني النمر بن قاسط فاستقروا بالبحرين، وبطون عبد قيس عظيمة وفروعها كثيرة، امتدوا في كافة أنحاء البحرين حتى أطراف العراق، وأصبحت لهم المكانة الأولى اجتماعياً وسياسياً وعسكرياً في البحرين منذ القرن الرابع الميلادي واستمر دورهم الكبير في البحرين لقرون عديدة بعد ظهور الإسلام وانتشاره إذ شاركت في الوفود التي ذهبت إلى الرسول ﷺ ومنهم الأشج المنذر بن عائذ والجارود الذي كانت له صحبة ومكانة من الرسول ﷺ ومن خليفتيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. كما برزت مساهمتها في حروب الردة وحركة الفتوحات الإسلامية.

ربيعة الوائلية

من أبرزهم بنو بكر بن وائل ولحقت بهم بنو عنزة بن أسد بن ربيعة وبنو ضبيعة بن ربيعة اختاروا مفارقة ربيعة على إثر حرب البسوس وامتدت منازلهم من اليمامة إلى البحرين وتركز وجودهم بشكل أكبر شمالي البحرين وصولاً إلى كاظمة وأطراف العراق وجنوب البصرة، وانتقل بعض من بطون بكر إلى الجهات الجنوبية الغربية من بلاد فارس خاصة في كرمان، وكان لبني بكر وجود قوي وأثر مميز في الحياة الاجتماعية والأحداث السياسية والعسكرية في البحرين حيث شاركت هذه القبيلة في موقعة ذي قار مع بني شيبان وعبد القيس وتميم وانتصروا على الفرس. واستمر دورهم بعد ظهور الإسلام وانتشاره. كذلك برزت بنو تغلب بن وائل أكبر بطون ربيعة وأقواها وقد كان لتغلب علاقة متميزة مع ملوك المناذرة وأثر واضح في أوضاع الجزيرة لاسيّما البحرين.

تميم

تُعد من أكبر القبائل التي انتشرت في هضبة نجد من الحجاز إلى الأطراف الشرقية للجزيرة، وهم بطن من العدنانية من تميم بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر ومن أشهر بطونهم في البحرين بنو سعد بن زيد بن مناه.

الأزد وإياد

وُجدت في البحرين قبائل عربية أخرى منها الأزد التي تُعد من أقدم القبائل التي استقرت البحرين، وتنتمي إلى الأزد بن غوث بن يعرب بن قحطان بعد أن هاجرت من اليمن، فرحلت باتجاه عُمان ومن هناك تفرّقت نحو البحرين، وتُعد أوال أشهر مساكنهم. إضافة إلى إياد التي انطلقت من تهامة ثم نجد واليمامة حتى البحرين.

قبائل أخرى

كما استقرت في المنطقة قبائل عربية أخرى منها بنو نمارة بن لخم وبنو قنص بن معد وقضاعة التي تولّت حلف زعامة حلف التنوخ، وكذلك بنو عامر بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة من العدنانيين، وقبيلة بني سليم الذين نزحوا من الحجاز وغيرهم.

البحرين: العراقة والحضارة

يؤكّد الاستعراض السابق عراقة هذه الأرض العربية الراسخة، وعُمق حضارتها وتاريخها الأصيل، ويبيّن دور القبائل العربية فيها منذ فجر التاريخ ومساهمتها في تشكيل نسيج اجتماعي متماسك، لعب دوراً هاماً في بناء الحضارة في البحرين. وقد ساهمت هذه القبائل في ازدهار هذه الحضارة إلى يومنا الحاضر. وإنّ وجود عائلة آل خليفة الكرام حُكّام مملكة البحرين من حلف العتوب، ودورها المحوري في قيادة البلاد نحو مستقبل مشرق خير شاهد، فالبحرين ستظل نموذجاً رائداً للعروبة الأصيلة ورمزاً للوحدة والتآخي حاملةً مشعل الحضارة والتقدم للأجيال القادمة بقيادة ملكها صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه.

* باحثة دكتوراه في التاريخ