انتشر قبل أيام مقطع مصور لمواطن بحريني يتحدث في أحد المجالس عن عجز النائب البحريني المنتخب عن إحداث أي تغيير في الجانب الرقابي، وذلك لمحدودية الأدوات الرقابية في قدرتها على المحاسبة، مما يجعل التجربة النيابية البحرينية عاجزة عن استكمال استحقاقات الديمقراطية.
أتفق تماماً مع الأخ المواطن بأن التجربة البحرينية بشكلها الحالي يشوبها القصور فيما يتعلق بالمحاسبة الشعبية وأدواتها البرلمانية، وأتفق معه في عجز أداة أخرى أو عدم توفرها بمعنى أصح وهي تشكيل جماعات ضغط خارج البرلمان كوسيلة تساعد النائب، وتعوضه عن عجز أدواته، وكما أتفق معه حين ذكر عجزه عن تشكيل تكتلات نيابية داخل القبة البرلمانية والميل إلى العمل المنفرد، كل ذلك صحيح وجزء من ذلك القصور في التجربة النيابية تحديداً والممارسة الديمقراطية كذلك تتحمله الدولة بالحد من مساحة الحركة داخل المجلس النيابي من خلال التقييد في أداة الأسئلة وأداة الاستجواب وأداة طرح الثقة.
وأعتقد أننا نتفق بأن التجربة النيابية في بدايتها عام 2002 كانت الدولة فيها أكثر تسامحاً وتساهلاً، ومنحت تلك الأدوات قدرة وقوة لا بأس بها تم الحد منها فيما بعد جولات الحوار الوطني.
إنما الذي لم يُقَل في المجلس إننا كمجتمع نتحمل جزءاً من هذا التراجع؛ لأننا تخبطنا في توظيف ما كنا نملك من أدوات، فشكلنا أحزابنا السياسية على أسس طائفية، لم يجبرنا أحد على هذا الانقسام، ولم تتدخل الدولة، ونحن من انتخبنا نوابنا على أسس طائفية لم يجبرنا أحد على الاستجابة لهذا الانقسام، بل أن الأحزاب الشيعية كانت تفوز بكامل قوائمها، ونحن من أساء استخدام الأدوات الرقابية لم يجبرنا أحد على إساءة الاستغلال فالكتلة الشيعية استجوبت الوزير السني والكتلة السنية استجوبت الوزير الشيعي.
ولم يجبرنا أحد على توجيه الأسئلة انطلاقاً من محاور حزبية طائفية ضيقة، ولم يجبر أحد قوانا السياسية العائدة من المنفى أن تواصل الصراع ذاته مع النظام، رغم كل المتغيرات التي جرت أمام ناظريها، ورغم فتح النظام الصفحة تلو الأخرى والعفو تلو الآخر، فعجزت عن توظيف الأدوات في بناء الدولة، بل وظفتها لإسقاط النظام إن أمكن!
الخلاصة بأن تراجع التجربة النيابية وقصورها الحالي هو مسؤولية مشتركة نحمل فيها أنفسنا الجزء الأكبر منها، إنما في النهاية هذه التجربة أو غيرها من التجارب كالتجربة الكويتية أعمارها قصيرة ومازالت في أطوارها الأولى، فلا يمكن لها أن تتطور إلا إذا تطور من سيحملها بيده، وفي النهاية جميعها ستظل وسائل لا أهدافاً.
فإن سألتني هل بإمكان الأدوات النيابية الرقابية الكاملة الدسم إن منحت الآن أن تحدث فارقاً، وتمنع أو تقلل الفساد إن وُجد؟ أقول لك سيبقى الباب مفتوحاً لإمكانية الالتفاف على قوة تلك الأدوات أكبر مما تظن.
إنما تسألني هل ترغبين في محاسبة للفساد بالطريقة التي تحدث الآن في المملكة العربية السعودية على سبيل المثال، أقول لك نعم وألف نعم، أريد هذا النوع من المحاسبة التي «تبرد القلب» وتشعرني بالطمأنينة وبالمساواة وبتعادل الفرص والعدالة.
فلا يهمني الأداة كمواطنة، ولا من الذي استخدمها إن كانت شعبية، أو كانت من النظام، بل بالعكس كلما اقتنع النظام بأن المحاسبة الذاتية هي أفضل وأقوى الطرق للحفاظ على قوته ولحمته الوطنية مع شعبه كلما كانت المحاسبة الذاتية جدية وحاسمة وعلنية وشفافة عنده، وهذا ما تفعله السعودية فلا يردهم منصب أو عائلة أو اسم الفاسد، بل يعلن عن اسمه، وتصادر كل ممتلكاته بعد صدور الحكم النهائي، ويحصل على حقه في الدفاع عن نفسه أمام القضاء، فإن ثبت فساده، ففضح وجرد من مكاسبه غير الشرعية، هذه هي النتيجة التي تهمني كمواطنة، من قام بها؟ من فعلها؟ لا يهم إن كانت أداة شرعية وقانونية، فالمهم هو النتيجة.