يحكى أن رجلاً وجد أعرابياً عند بئر ماء، فلاحظ الرجل أن حمل البعير كبير، فسأل الأعرابي عن محتواه فقال الأعرابي: كيس يحتوي على المؤونة، والكيس المقابل يحتوي تراباً ليستقيم الوزن في الجهتين، فقال الرجل: لم لا تستغني عن كيس التراب وتنصف كيس المؤونة في الجهتين فتكون قد خففت الحمل على البعير، فقال الأعرابي: صدقت وفعل ما أشار إليه ثم عاد يسأله:

هل أنت شيخ قبيلة أم شيخ دين؟ فقال الرجل: لا هذا ولا ذاك بل رجل من عامة الناس، فقال الأعرابي: قبحك الله لا هذا ولا ذاك وتشير علي، ثم أعاد حمولة البعير كما كانت! هكذا هم أغلب الناس لا يهمهم الأفكار ولا يعون مغزى الحكمة وإن كانت صائبة بقدر ما يهمهم مكانة الأشخاص والألقاب المصدرة لتلك الأفكار وإن كانت خاطئة.

ذلك حال العديد من البشر حيال الأفكار والمقترحات والصعوبات التي يواجهونها أو تمر عليهم في حياتهم اليومية، تراهم ينشغلون في همومهم عبر وحدتهم دون حتى الرجوع إلى الحلول الموجودة على أرض الواقع للمشكلات القريبة منهم، فتراهم يترنحون بأفكارهم ويتخبطون بحلولهم ويتمادون بأخطائهم ولا يعيرون أدنى انتباه للحكم والمواعظ، بل حتى أنهم يركزون على نوعية ومقدار ومكانة الشخص الذي ينصحهم دون التمعن في النصيحة ذاتها، وهنا مربط الفرس، فكم من المشاكل التي يمر بها الفرد حلولها واضحة وسهلة التنفيذ ولكننا نلجأ إلى التعقيد، وكم من النصائح المفيدة التي أهملناها لأننا غير متفتحين إلا على تفكيرنا الذي يمكن أن يكون محدوداً أو حتى منغلقاً.

قصة الرجل مع الإعرابي تنعكس عليها العديد من أفكارنا ومستوى إدراكنا حتى وإن استنكرنا تصرف الأعرابي إلا أن معظمنا مع الأسف الشديد يقدس مكانة الناصح وقدره دون التفكر والتمعن في النصيحة ذاتها، فقديماً قالوا خذوا الحكمة ولو من أفواه المجانين، أي بمعنى لا تنظر لقائل الحكمة بقدر ما تنظر إلا للحكمة ذاتها.

بصراحة نحن في زمن نقدس من خلاله الشخوص ولا نقدس العلم والمعرفة، نقدس المكانة ولا نعير اهتماماً بالمحتوى والمضمون، فكم من أمة تاهت بسبب تقديسها لشخص جاهل قادها إلى الخراب والدمار، وكم من أسرة تفرقت بسبب من أشغل عقول أبنائها بأفكار هادمة، وكم من مستقبل ضاع بسبب قلة الوعي والإدراك.