هرباً من سواد الصراعات الكونية المنغصة على الإنسان مباهج الحياة، قادني القلم، هذه المرة، للتزود بجرعة جديدة من الانشراح والتفاؤل، فوجدت أمامي هذه الصور البحرينية المشرقة والجديرة بتأملها.
«الصورة الأولى» هل سمعتم عن بيكاسو البحرين الصغير، أو من يسمي نفسه A.Z. PICASSO؟
إنه عبدالعزيز حمد الريس، الطفل ذو الستة أعوام العاشق للرسم، والحالم بريادة الفضاء عندما يكبر، أما اليوم، فهو مستمتع بمزاولة هوايته، ليخبرنا وبظرافة الأطفال: بأنه أصبح ثرياً بعد أن باع كل لوحات معرضه الأخير. هذه الصورة المفعمة بالبراءة والحماسة، التي رصدتها جريدة الوطن، قدمت ما يكفي لتذوق مقادير وصفة تحضير الفنان القادم. فمن النادر أن ترى من في عمره، يتحدث أمام الكاميرا بكل ثقة ووضوح، كأن يبدي إعجابه برسومات بيكاسو، آملاً أن يكون بمثل شهرته!
فأنا، مثلاً، لا أذكر متى عرفت بيكاسو، ولكن من المؤكد، أنني كنت أكبر بكثير من عبدالعزيز، «الصلاة على النبي محمد».
وأعتقد بأن جوهر هذه الصورة المشرقة، تكمن فيمن يقف وراء هذه الموهبة اليافعة، وهما أسرته الكريمة ومدرسته، مدرسة البيان، التي أعرفها عن ظهر قلب من خلال عيون أبنائي، الذين تتلمذوا فيها، وأجد أثرها التربوي الإيجابي متواصلاً، إلى اليوم، مجدداً لفكرهم ومطوراً لشخصيتهم، وبرأيي، هذا أمر تتقنه وتبدع فيه مُؤَسِسَة المدرسة، الأخت الكريمة د.مي العتيبي، وهي تؤدي رسالتها التعليمية النبيلة.
«المزيد من الصور» وبحثاً عن المزيد من الصور البانورامية الجميلة، صادفت في جولتي السريعة هذه، عدداً من الإنجازات البحرينية، وتيقنت بأن العامل المشترك الذي يجمع أصحابها.. معاداتهم «للفشل والتفشيل!»، وهو ذاته العنوان العريض لقصة نجاحهم التي تروي لنا فصولها، الجدوى من التعب والصبر، والمغزى من حفر الصخر، أما العبرة من القصة.. التشرف بخدمة الوطن.
فمثلاً، تمكنّت الشيف رؤيا صالح، مؤخراً، من حجز موقعها على قائمة «فوربس – الشرق الأوسط» ضمن أفضل عشرين مطعماً فاخراً. ومن المؤكد، بأن صاحبة هذه الصورة، لم تحقق ما حققته بالمشي هوينا على طريق مفروش بالورد، بل تحدت جبالاً من الصعاب وآمنت بقدراتها قبل غيرها، لتُطلق العنان لشغفها ولتترك بصمتها الخاصة أينما توجهت.
وها هي تنتهز فرصة إنجازها الأخير، بالسعي نحو طموح عالمي جديد.
الصورة الثانية، هي لأخصائي أمراض القلب بمستشفى السلمانية، د.يزن المسيّب، المبتعث لجنيف من قبل وزارة الصحة للحصول على الدرجة الاستشارية. والدكتور يزن تمكّن مؤخراً من خطف أنظار أطباء المستشفى السويسري، الذين انبهروا بإمكانيات الطبيب القادم من الخليج العربي، وبإدارته لقسم القسطرة في غياب أغلب الطواقم الطبية.
والواضح في الصورة، بأن الطبيب البحريني العامل في أحد أفضل مستشفيات أوروبا، هو نموذج مشرّف للكفاءة الوطنية الطبية التي تجيد التعامل مع كل صعب، وتعمل بهدوء وتواضع العلماء، وهي صورة كفيلة بإلهام جيل من الأطباء الشباب.
أما آخر الصور، ولن تكون بالطبع أخيرها، فتجمع بين إنجازين، الأول، لسونيا جناحي، كأول عربية تتولى عدداً من المهام الرفيعة في منظمة العمل الدولية، والثاني، وإن كان الأول من نوعه في قطاع الطاقة، هو لباسمة المحروس، كرئيس تنفيذي لشركة «بابكو للتزويد».
وبابكو، كما ترتبط في الأذهان، تبقى محتفظة، حتى اللحظة، بصورتها التاريخية كمصنع وطني يتفنن في صقل الخامة البحرينية التي تبهرك بأدائها، في كل ظرف وزمن.
ومازلت أذكر باسمة وسونيا، وأنا معهما، الطالبات في كلية «البوليتكنيك» خلال الثمانينات. وكما تخبرني الذاكرة أيضاً، فإن بعضنا، لم يكفّ عن الغمز واللمز حول مستقبل خريجات الهندسة الكيميائية، ومن التشكيك في اختيارهن لهذا التخصص «الذكوري!»، وفي صمودهن على منصات المصانع! وبحسب ظني، فإن مهمة سونيا لم تسلم كذلك من ذات التمحيص، وهي تناور بدبلوماسيتها المعهودة لصعود سلالم المنظمة الدولية العتيدة.
إلا أن السيدتين، قلبتا الموازين، وقدمتا حقيقة ثابتة وصورة معبّرة لقدرات نساء البحرين، وللنتائج الواقعية لمنظومة الدعم والتمكين التي وضعت أركانها القائدة والقدوة في العمل النسوي وراعية نهضته، صاحبة السمو الملكي، الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة، حفظها الله، لتأخذ المرأة موقعها الطبيعي ولتمارس دورها الكامل في ميادين العطاء.
وما تقدم، هو جزء يسير من المحكي الوطني عن لآلئ البحرين المكنونة والمحيطة بنا من كل صوب.