كانت البحرين قُبيل الإسلام مركزاً تجارياً هاماً في المنطقة، تهيأت لها عوامل عدّة طبيعية وبشرية لتسهم مجتمعة في رفد اقتصادها وازدهار مكانتها، بدءاً بالموقع الاستراتيجي في قلب الخليج العربيّ الذي جعلها محطة وسيطة بين التجارة البرية والبحرية ومركزاً رئيساً على طريق التجارة بين الشرق والغرب، وما تمتعت به من ثروات طبيعية متنوعة كاللؤلؤ والزراعة، إضافة إلى الاستقرار السياسي والأمني الذي عزّز دورها كمركز تجاري رائد، فضلاً عن مكانتها الحضارية والثقافية، كل ذلك بوأها لتكون وجهة مرغوبة للتبادل التجاري في المنطقة. فتعدّدت فيها الأسواق ومثّلت منارات للازدهار الاقتصادي والحضاري؛ حيث جذبت مختلف التجار من أنحاء الجزيرة وخارجها، وعُرضت فيها أرقى أنواع البضائع، فكانت بمثابة مركز لتبادل البضائع والسلع وتواصل الأفكار، وملتقى للثقافات، ولعلّنا نسلط الضوء على أبرز هذه الأسواق.

- سوق هجر: بضائع فريدة وجودة عجيبة: كانت أسواق العرب الموسمية قبل الإسلام ظاهرة مميّزة، حيث اتخذت شكل تجمعات دورية تقام في أماكن محددة من شبه الجزيرة العربية، وتزامنت غالباً مع مواسم الحج. وكان من أبرزها «سوق هجر» الذي تنزله العرب بعد سوق دومة الجندل، في ربيع الآخر من كل عام، وفاقته بمكانتها نظراً لما احتوته من أصناف تجارات الهند وأفريقيا وغيرها من البلدان بما لا يتوفر في غيرها من الأسواق، ولما ضمته أسواقها من المنتوجات الزراعية وفي طليعتها أصناف التمور التي عُرفت بجودتها وطبقت بشهرتها الآفاق وكانت مضرباً للمثل في الجودة.

فذكر دريد بن الصمة «وربت غارة أوضعت فيها.. كسحّ الهاجريّ جريم تمر»، كذلك وجدت فيها الصناعات المحلية منها الدروع والرماح الخطية، والمنتجات الفخارية والمنسوجات ذات الجودة المثلى، ويُشرف على هذا السوق حاكم البحرين فكان المنذر بن ساوى يتولّى أمره ويعشر الناس فيها وتؤم السوق القبائل العربية من مختلف نواحي البحرين وخارجها.

- سوق المشقر: ليست مجرد سوق: كانت المشقر سوقًا تجارية مهمة، تبدأ في الأول من جمادى الآخرة وتستمر حتى نهايته، يقصدها أخلاط من جميع أنحاء العرب وغيرهم على السواء، ويجاورها من قبائل العرب تميم وعبد القيس، وقيل عنها: «وكانت أرض معجبة، لا يراها أحد فيصبر عنها» فلها صفات هجر وخصبها كونها جزء منها، وتعدّدت سبل البيع فيها بالملامسة والإيماء والهمهمة. وقد تغنّى بها شعراء العرب فذكرها امرؤ القيس، كما شهدت وقعة من وقائع العرب الشهيرة، كما عرفت البحرين بعض الأسواق المحلية منها سوق الأحساء وأسواق متخصصة بصناعة معينة مثل دارين التي تخصّصت بالنسيج والخط الذي أصبح مصدراً للرماح الخطية.

من أسواق التجارة القديمة إلى معالم التراث الوطني: وبذلك كانت أسواق البحرين في عصر العرب قبل الإسلام مراكز تجارية نابضة بالحياة، وقد استمرت هذه الأهمية التجارية للبحرين بعد ظهور وانتشار الإسلام وحتى حاضرنا هذا. حيث لعبت هذه الأسواق دورًا هامًا في دعم الاقتصاد الوطني، وتعزيز مكانة البحرين كمركز تجاري إقليمي ودولي، واليوم، تأتي جهود حكومة مملكة البحرين للاهتمام بالأسواق التاريخية في البحرين بمثابة امتداد طبيعي لهذا الإرث العريق، وما التوجيهات الأخيرة لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله بتطوير المنطقة التاريخية لسوق المنامة إلا تأكيد لهذا النهج بما يعكس حرص المملكة على الحفاظ على تراثها العريق، وتعزيز هويتها الثقافية والتاريخية، ودفع عجلة التنمية الاقتصادية والسياحية.

* باحث في التاريخ وأكاديمي