الأحلاف القبلية في البحرين قبل الإسلام وأثرها في الاستقرار والازدهار
الحِلف عند العرب: أنواعه وأسبابه
الحِلف عبارة عن أنظمة وعهود اجتماعية وسياسية تجمع عشيرتين أو قبيلتين فأكثر، يلتزمون فيها على التعاضد والتناصر فيما بينهم، وقد يطغى لقب الحِلف على القبيلة الأم، وتتنوع الأحلاف فهناك المؤقتة إبان الحروب وهناك الكاملة التي تجمع عدّة قبائل لا يجمعها جد واحد، وتتعدّد أسبابها بين جغرافية وسياسية واقتصادية لغرض تنظيم الموارد وتحسين الواقع المعيشي، أو اجتماعية كالمصاهرات بين القبائل، أو عسكرية لدفع المخاطر أو الدفاع عن المصالح، وفي ذات الوقت قد تكون هذه الأحلاف ثنائية أو جماعية وفق الظروف.
الأحلاف القبلية في البحرين
تعرّضت البحرين قبل الإسلام وبسبب موقعها الجغرافي في جزيرة العرب وأهميتها لتحديات واعتداءات عسكرية خصوصاً من قِبل القوى المتعاقبة التي حكمت بلاد فارس وعلى رأسها الدولة الساسانية، في المرحلة التاريخية الممتدة ما بين بداية التاريخ الميلادي وحتى انتشار الإسلام في البحرين.
إنّ التحديات المتنوعة الداخلية فضلاً عن المخاطر الخارجية دفعت القبائل العربية المستقرة في البحرين إلى عقد أحلاف تُعد الأهم والأشهرعلى مستوى جزيرة العرب ومنها:
حِلف تنوخ
إنّ من أشهر الأحلاف العربية الكبرى التي شهدها إقليم البحرين إبان القرن الأول الميلادي حلف تنوخ الذي ضم قبائل قحطانية وعدنانية مختلفة (قضاعة، الازد، إياد، بنو نمارة بن لخم). اتفقوا على الإقامة والتآزر وشكّلوا قوة سياسية واجتماعية بارزة.
وفي عهد زعيمهم جذيمة الأبرش توسّع الحلف توسعاً هائلاً شمل العراق، ممهداً الطريق لتأسيس مملكة المناذرة اللخميين بقيادة عمرو بن عدي ولم يقتصر تواجد تنوخ على العراق، بل هاجر بعض بطونهم إلى الشام، مثل بنو سليح الضجاعمة من قضاعة، الذين تولّوا المُلك في الشام قبل عهد الغساسنة.
حِلف اللهازم
ظهر حلف اللهازم في البحرين وشبه الجزيرة العربية في النصف الثاني من القرن الخامس الميلادي، ضم بطنين من قبيلة بكر بن وائل هما تيم الله وعجل بن لجيم، ثم اتسع ليشمل أغلب بطون بكر بن وائل وعنزة بن أسد وبنو ضبيعة بن ربيعة.
حقّق الحلف انتصارات مهمة، وشاركوا في أغلب أيام العرب مثل يوم ذي قار، حيث انتصارهم الكبير على الفرس وفيه ذكر أحد شعرائهم مخلداً دورهم في ذلك اليوم العظيم، بقوله:
لولا فوارس لا ميل ولا عُزُل
من اللهازم مما قاظوا بذي قار
نحن أتيناهم من غدا أشملهم
كما تلبس وراد بصدار
وبظهور الإسلام عظُمت قوته، حيث ذكره النبي عليه الصلاة والسلام في حديثه، وقد ازداد الحلف تماسكاً واتساعاً بعد تحالف بنو حنيفة مع بني عجل وانضمامهم للحلف ومشاركتهم جميعاً في جيش المسلمين في حروب الردة، وفي الفتوحات الإسلامية. وبحلول منتصف القرن الأول الهجري شمل أغلب قبائل ربيعة الوائلية، كل ذلك ساعد في استمرار الحلف قوياً في العصور الإسلامية حيث كانت آثاره واضحة في كافّة المجالات.
أحلاف البحرين بين الأهمية والدلالة
شكّلت أحلاف البحرين امتدادات جغرافية واسعة، كانت البحرين نواةً لهما، وامتدت فيما بعد خارج البحرين لتجسّد الدور الكبير لسكان البحرين وتأثيرهم السياسي. وقد ساهمت تلك الأحلاف في تحقيق الاستقرار والتضامن والسلم الأهلي وتحسين الواقع المعيشي في البحرين. كما اضطلعت بالدفاع عنها والتصدي للاعتداءات الفارسية. علاوة على ذلك أدّت دوراً ثقافياً بارزاً، حيث ظهر من بين أبنائها حكماء وخطباء وشعراء.
إنّ دروس التاريخ تؤكد لنا دون شك امتداد البحرين منذ القدم جغرافياً وبشرياً واجتماعياً وثقافياً مع جزيرة العرب، ومدى تأثيرها في مجال مكاني كبير ونجاح أهلها في التصدي وإفشال مخططات أعدائها.
استمرت البحرين في دورها الإقليمي المتميّز مع قيام الدولة البحرينية الحديثة في عهد المؤسس أحمد الفاتح كدولة عربية مسلمة عام ١٧٨٣م، وتواصل مملكة البحرين اليوم مسيرتها الشامخة ودورها الرائد ونهضتها في العهد الزاهر لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه. وتبقى مملكة البحرين خليفية عربية إسلامية بلد السلام والأمان حيث الاستقرار والازدهار وأرض التسامح والثبات.