سوق أثري قديم، يحمل اسماً تاريخياً مسطر في الكتب، وبعض مبانيه يعود تاريخ بنائها إلى ما قبل تأسيس دول عديدة، وبه ذكريات وأسماء شخصيات ظلت خالدة في ذاكرة الوطن.
هو حقيقة ليس مجرد سوق اعتيادي، بل ذاكرة مكان تستعرض التعايش المشترك على أرض مملكة البحرين، ومكانتها التي حددها التاريخ منذ القدم، فهنا كانت البضائع تخطي خطواتها البرية أو البحرية الأولى، وهنا أيضاً تلاقت الأديان والمذاهب والعوائل التجارية، وشكلت فسيفساء نادرة الوجود.
بالطبع حديثي عن سوق المنامة، الذي أثار شجون البحرينيين والخليجيين وحتى السواح الأجانب، الحريق الهائل الذي نشب به مؤخراً، وأدى لاحتراق عشرات المحلات، وإغلاق جزئي له، والذي راح ضحيته ثلاثة أشخاص، ولا يوجد تقدير حقيقي للخسائر حتى الآن.
رجال الدفاع المدني «قواهم الله»، قاموا بكل المجهودات العظيمة التي يمكن بذلها لتقليل الأضرار، وكانوا على أعلى قدر من المسؤولية والاحترافية في التعامل مع الحريق، وكان لهم الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في عدم ازدياد الخسائر المادية أو البشرية.
ولكن.. ما الذي قادنا إلى هذا الوضع من الأساس؟ ولماذا هذا السوق الذي يشهد مئات الآلاف من الزوار شهرياً من كافة الجنسيات، تعرقلت خطة تطويره حتى أننا لا نكاد نراها؟
طوشت آذاننا الخطط التي تم الإعلان عنها ومنذ أكثر من عشر سنوات لتطوير سوق المنامة القديم، وجعله محطة حضارية مهمة، ولم نراها بشكل فعلي على أرض الواقع، وتنصلت عدة جهات من مهمتها وما التزمت سابقاً من دعم لتطوير السوق، وأصبحنا لا نرى أخبار المزيد من الخطط حوله ولا إنجازات الخطط السابقة.
وبعد مرور أسبوع من الحريق، والذي يعتبر حريقاً كبيراً، لم نر تصريحات العديد من المسؤولين أو الجهات الخاصة المعنية بالتجارة والذين من المفترض تواجدهم في هذا السوق، وكأنه حريق طال محل واحد أو جزء منه، وليس حريقاً التهم عشرات المحلات.
لم يكلفوا نفسهم حتى عناء الخروج بتصريح حول الحادث، أو بدء حصر الأضرار، أو التعامل مع الموقف وقفاً للتحديات الموجودة، أو حتى أي تصريح يخرج في مثل هذه المواقف من أي مسؤول في العالم، وتجاهلوا الأمر وكأن لا وجود له.
هذا السوق العريق لا يستحق كل هذا الإهمال الذي يمر به، فالسلامة غائبة عن معظم محلاته، والفوضى تعم المكان، ولا توجد مرافق ولا خدمات صحية فيه، كما لا توجد مواقف سيارات كافية، ولا غيرها مما تتمتع به الأسواق القديمة في دول أخرى.
سوق المنامة الذي نشأ منذ قرون، تتمنى عدة دول لو كان لديها واحد مثله، بل ونراهم ينشئون أسواقاً على شاكلته، فقط ليبقى للأجيال القادمة، ونحن للأسف الشديد نفرط فيما لدينا من ثروة تاريخية مهمة.
وهنا، وبعد حدوث الكارثة، نتمنى أن يتم إدراك ما يمكن إدراكه، وأن لا نرى المزيد من الإهمال له، وأن تكون هناك خطوات حقيقية، لتطوير السوق وجعله محطة مهمة في الجذب السياحي الذي ننشده.