كيف تدار الحملة الإعلامية الممنهجة ضد دولة الإمارات؟ وكيف يتم استدراج المدافعين عن الإمارات إلى مناطق جدلية تشتت الأذهان وتقودها إلى الدخول في متاهات وأنفاق تم إعدادها من أجل حصر الصورة الإماراتية فيها؟ هذا مثال ينطبق حتى على البحرين يوضح لنا فخ الاستدراج الممنهج.

قرأت تغريدة لأحد الكتاب الإماراتيين المعروفين وهو يدافع فيها عن قرار دولته بإحالة 84 إماراتياً إلى محكمة أمن الدولة بتهمة الإرهاب والانضمام إلى تنظيم محظور «الإخوان المسلمين»، وفي سياق الجدل بينه وبين المعلقين المهاجمين نجح المعلقون في استدراج الكاتب للنقاش على هوية دولة الإمارات الإسلامية، بل حصر الهوية في وجود دعارة أو محلات بيع للخمور في الدولة، كي تستبعد الإمارات في ذهنية المتلقي من الهوية الإسلامية وفقاً لمحاور جدلهم.

أي متابع لهذا الجدل الذي يجري حول ملف محاكمة 84 إماراتياً سيصل إلى نتيجة مفادها أنه لا يجوز في دولة كالإمارات العربية المتحدة أن يعترض الإماراتي على سياسة الدولة أولاً، وثانياً إن كل من يعترض على سياسة الدولة سيصنف إرهابياً، وبالتالي وعلى هذا الأساس يراد لنا أن ننظر إلى إحالة 84 إماراتياً إلى محكمة أمن الدولة ما كان ليكون إلا لمجرد أنهم اعترضوا على قرار التطبيع مع إسرائيل، فتظهر الإمارات كدولة مستعدة للتضحية بأبنائها لإرضاء إسرائيل ومعاداة الإسلام!!

وكي يلون إطار الحملة المضادة لدولة الإمارات بالطابع الإسلامي وأن من يعارض الحكومة الإماراتية فهو مدافع عن الدين شملت الاعتراضات ملف الترفيه وشمل الاعتراض على وجود الدعارة وبيع الخمور و.. و.. و..، وكل ما من شأنه تحريك الحمية الدينية، فتم اختزال دولة الإمارات بدولة تطلب رضا اليهود وتنشر الفساد الأخلاقي المنافي للقيم الإسلامية.

هذا باختصار مسار الجدل الذي يرسم ويساق له المدافعون عن دولة الإمارات دون وعي، ويستدرجون للنقاش حول العناوين التي تم تحديدها مسبقاً بشكل ممنهج، فتجري عملية غسل أدمغة الجمهور المتلقي من خلال الاختزال وعبر تحديد الأنفاق والممرات وحصر الجدل فيها، ويتم تركيز الحوار من خلال توجيهه لتلك الأنفاق (إسلام، إسرائيل، وفلسطين) فمن يريد الحديث عن الإمارات بالمشاركة في الجدل الدائر حولها إما دفاعاً أو هجوماً فعليه أن يحصر الحوار في تلك الملفات فيعمل الاختزال على رسم صورة محددة الإطار مسبقاً.

غسل الأدمغة بدا واضحاً حتى من المقاطع المصورة لبعض الأشخاص الذين تم القبض عليهم ضمن 84 وإحالتهم إلى المحكمة، حيث ثبت أنهم لا يرون دولتهم إلا من خلال تلك الأنفاق التي حصروا فيها (إسلام ـ فلسطين ـ إسرائيل) فاختزلوا الدولة بقرار سياسي واحد هو الاتفاق مع إسرائيل، وجعلوا من الاعتراض عليه اعتراضاً على الدولة بنظامها واقتصادها وسياستها وإنجازاتها ورفاهية شعبها، فكل ذلك كان خارج النفق الذي حشروا فيه.

فالإماراتي الذي صور المقاطع التي تبرأ فيها من دولته كان يرى الإمارات كما يراها الخيل بعد وضع الغمامات blinders فليس أمامه إلا صورة الفلسطينيين فحسب. غابت صورة الدولة التي نشأ فيها وتعلم وعمل وتزوج وأنجب وسكن وتعالج وحفظت له كرامته بقدر حرصها على رفاهيته، غابت عنه صورة منزله ومعيشته، غابت عنه ضماناته الاجتماعية، غابت عنه صورة إنجازات الدولة على المستوى العلمي والثقافي والاقتصادي، غابت عنه صورة دور الإمارات الإنساني الإغاثي. الغمامات حددت له مجال الرؤيا عبر نقاشات وجدل وحوارات لا يدور فيها إلا سؤال واحد أين دولته مما يجري في فلسطين؟

فلا دولة ولا شعب ولا حياة خارج ذلك النفق، وضعت الغمامات لمنع أي صورة لهويته الوطنية أو الإنسانية، وحتى هويته الدينية والإسلامية لن ترى إلا من خلال النفق الأصغر، فتحددت هوية الدولة وكينونتها من خلال دورها في مواجهة اليهود بشكل عام ودورها في منع الخمور والدعارة، وأكبر خطأ هو استدراج من أراد الدخول في جدل حول قرار دولة الإمارات هو الانزلاق في الفخ المنصوب.

يكفي الإمارات أن تكون حلماً لشباب العرب وأملاً وقدوة ونموذجاً للدولة التي نجحت في تسخير مواردها وإدارتها من أجل رفاهية أبنائها ولتعزيز مكانتها الدولية، فلا نستدرج لفخ تصغيرها واختزالها.