كنت طفلاً عندما بدأت الدولتان بريطانيا وفرنسا التمهيد لتنفيذ وعد بلفور لإنشاء وطن لليهود في فلسطين عام 1948 بعد هزيمة الدولة العثمانية، والاستيلاء على تركتها ومنها فلسطين، وادعائهما بأن فلسطين أرض بلا شعب، وأن اليهود أحق بها، وهذا ادعاء كاذب ظاهراً وباطناً، حيث إن العرب المسلمين والمسيحيين واليهود هم شعب فلسطين الأصليين، ومتعايشون بسلام بينهم، ومن جاء بعد 1948 -سنة النكبة- وسمح لهم بالدخول إلى فلسطين أفواجاً وجماعات بهويات أجنبية وبلا هوية.

هم غرباء عن فلسطين وتربتها الطاهرة، وعاث المهاجرون الجدد في الأرض إرهاباً وفساداً وتقتيلاً وتنكيلاً وتدميراً وتهجيراً ووصل من هؤلاء المهاجرين الفلسطينيين المظلومين إلى البحرين منهم بعد أن نهبت ممتلكاتهم بعد هزيمة العرب في حرب 1948، ومن بقي منهم في فلسطين لقي أبشع الاضطهاد سواء في السجون الإسرائيلية أو خارجها، وسلمت الأرض إلى الوافدين من الخارج، المدججين في السلاح والدعم السياسي المغلوط والبعيد كل البعد عن الحق والعدالة والإنسانية والضمير الحي وخرجت مظاهرة ضخمة ضمت معظم البحرينيين والمقيمين وتجمعوا في ميدان المنامة التي كانت في الأصل قصر الحاكم الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة، وثم الحاكم الشيخ علي بن خليفة آل خليفة بفريق الشيوخ، وهم يهتفون بأصوات جهورية: يا فلسطين لا تخافي.. كلنا اليوم فداكِ.

ثم توالت الهجمات على مصر أولاً عام 1956 -حرب السويس-، وعلى مصر أيضاً ثانيةً وسوريا والضفة الغربية وغزة وجنوب لبنان عام 1967، وكانت إسرائيل هي البادئة كما جاء على لسان الرئيس الفرنسي الراحل ديجول، لذلك أدانت أغلب الدول الهجوم الإسرائيلي، واتخذت الأمم المتحدة قراراً بانسحاب إسرائيل إلى حدود ما قبل عام 1967، وإعادة الأراضي العربية إلى أهلها، وقيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، لكن إسرائيل رفضت وأصرت على ملكية الأرض التي استولت عليها بالحرب المباغتة بدعم من دول عظمى تملك حق النقض في مجلس الأمن.

هذا الإصرار والتعنت غير المبرر من إسرائيل، مع قيام الدول العربية بزيارات مكوكية إلى أغلب دول العالم، مبينة لهم أن الوضع لا يمكن الصبر عليه أكثر مما مضى، وأن الانسحاب لكل الأراضي المحتلة عام 1967، وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي سلمياً وبالطرق الدبلوماسية والتأكيد على الموافقة على حل الدولتين، حسب الخرائط الموثقة دولياً، لكن إسرائيل تمادت، ففي كل يوم تضم أجزاء من دولة فلسطين وتزيد من حربها، فكان الخيار العسكري هو السبيل إلى تحرير الأراضي العربية، مهما كانت التضحيات، وقد أعذر من أنذر، وهكذا، وبسبب عدم استجابة إسرائيل مرة ثالثة ورابعة، قامت حرب أكتوبر عام 1973 التي انتصر الجيش المصري على إسرائيل فيها بدعم أشقائه العرب.

إن ما جرى في السنوات الماضية ويجري حالياً من مآسٍ في غزة وغيرها من أراضي دولة فلسطين، تتحمل وزره إسرائيل، فهي التي ترفض الحل السلمي والتعايش بأمان بين دول الشرق الأوسط والالتفات إلى حقن دماء الجانبين، وفك الحصار المفروض على الفلسطينيين وإنهاء ظلمهم، وبناء دولنا، والمحافظة على شبابنا جميعاً فهم عدة الحاضر والمستقبل، لا وقود لنار الحروب، وهذا ما يسعى له في هذا الظرف الدقيق حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه، وقيام جلالته بزيارات إلى الدول العربية الشقيقة والدول الصديقة، ومقابلة زعمائها بنصرة المستضعفين في فلسطين، بل في جميع أنحاء العالم، فجلالته حامل غصن الزيتون ونصير السلام والتعايش السلمي بين الشعوب، كلل الله مساعي جلالته بالنجاح والتوفيق.