من قديم الزمان، وسكان الأرض، يطلقون على كل من تورط في قضية جنائية أو جنحة أو مخالفة اسم خريج سجون، ويظل هذا المصطلح عالقاً به ما عاش حياً، ويحمل تبعاته وآلامه ليلاً ونهاراً، ويشاركه ذلك أفراد أسرته المقربون، كون من عاشوا قبل مئات أو آلاف السنين، أغلبهم بلا ثقافة ولا إحساس بمشاعر من سُجن، لا إنسانياً ولا اجتماعياً ولا أسرياً إلا القليل منهم، والسبب قلة التعلم خاصة علم النفس والاجتماع، وإن من تورط في أي قضية يجب تقييد حريته مادام سجيناً، والأمر من ذلك وضع القيود والأصفاد بمعصميه وحجليه ليلاً ونهاراً، بعد أن كان حراً طليقاً، وفي تلك الأزمنة الغابرة يترك السجين في أقبية السجون عمراً طويلاً منسياً كما حدث للنبي يوسف ابن يعقوب عليه السلام.

ومع تطور القوانين التي تقيد حرية السجين وأكثرها وضعيه وتتسم بالقسوة في المعاملة والحرمان من الرعاية الصحية والمأكل والمشرب والفراش، إلا أن الله سبحانه وتعالى أيقظ أهل الضمائر، الذين قلوبهم تنبض بالرحمة والشفقة والإحسان إلى السجين، واجتهد أمثال هؤلاء المصلحين إلى تغليب الرأفة على القسوة في الأحكام المختلفة، وتقديس آدمية السجين، وتوفير ما يعوضه ولو قليلاً عما يخالجه في جوفه من ألم فقدان الحرية.

وتعد مملكة البحرين رائدة في إصلاح السجون خاصة بعد الاستقلال في عهد أميرنا الراحل المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة طيب الله ثراه والجنة مثواه، إذ يعد أول من ألغى القيود في سجون البحرين، بل في دول الخليج العربي ولربما في دول أخرى.

وهكذا سارت المسيرة، وتطورت القوانين بشكل منقطع النظير في عهد مليكنا المحبوب حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المعظم، صاحب المشروع الإصلاحي الشامل حفظه الله ورعاه، الذي حدث في عهده المزدهر السماح لجمعيات حقوق الإنسان بأن تأخذ دورها، وممارسة واجبها الحقوقي بالكامل، والتصريح بمرئياتها التي تصون آدمية من يقضي فترة حكم بالسجن لحكم ناجز وعادل صادر من وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، وتنفيذ الحكم بواسطة وزارة الداخلية، مدعوماً من جلالته وتحت إشرافه ورعايته الرحيمة الأبوية، وبمتابعة من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس الوزراء حفظهما الله ورعاهما وسدد خطاهما إلى ما فيه الخير العميم.

إن إلغاء مسمى السجون، وإحلال مسمى الإصلاحيات المفتوحة محلها، وسن قانون العقوبات البديلة، والسجون المفتوحة، ليعد نهجاً وتطوراً إنسانياً متقدماً، كونه يعبر عما يتمتع جلالته به من إحساس إنساني رفيع عالمياً، إذ يعود خريج الإصلاحيات المفتوحة كخريج الجامعة سواء بسواء إلى حياته الطبيعية والأسرية والمجتمعية، ويتمتع بكل حقوقه كمواطن صالح يساهم في بناء وطنه وتقدمه.