سألتُ ما الفرق بين الاتفاقية الأمريكية البحرينية الأخيرة، وبين ما تسعى إليه المملكة العربية السعودية مع الولايات المتحدة الأمريكية كشرط من شروط التطبيع مع إسرائيل؟ وكنت معنية بالجانب الدفاعي تحديداً.

جاءتني الإجابة أن «المملكة العربية السعودية تسعى إلى معاهدة حسب ما ورد في الـNew York Times. والمعاهدة تختلف عن الاتفاقية في معايير كثيرة، أهمها أن المعاهدة تتطلب الحصول على التشريع من الكونغرس وتصديقه من مجلس الشيوخ.

الاتفاقية الشاملة للتكامل الأمني والازدهار الموقعة من قبلنا مع الولايات المتحدة الأمريكية ترفع سقف الضمانات المتعلقة بالدفاع المشترك كما هو مذكور في المادة الثانية من الاتفاقية، والسقف الذي توفره هذه الاتفاقية يعتبر أعلى سقف ممكن إذا كنا نتحدث عن اتفاقية بين قيادة الدولتين، ودون المعاهدة.

تعبر الاتفاقية عن مفهوم جديد، ومن الصعب مقارنتها بالاتفاقيات الأخرى، إلا أن السقف متساوٍ -وإن اختلف- فقد اختلف بسبب البيئة الإستراتيجية والمتغيرات الجيوسياسية.

سألت:

إن سعادة السفير الأمريكي، وفقاً لما نشر في «أخبار الخليج»، يقول: «كما أننا نتفق على العمل معاً للمساعدة في ردع ومواجهة أي عدوان خارجي أو التهديد بالعدوان، فإننا نجتمع على الفور على أعلى المستويات لتحديد الاحتياجات الدفاعية الإضافية والاستجابات» فمن الذي يحدد الاحتياجات وما هي طبيعتها؟

فجاءتني الإجابة:

تحديد الاحتياجات المقصود منه هو التأكد من أن القدرات المتوافرة في مملكة البحرين تتناسب مع التهديد؛ أي إذا كان التهديد أكبر من القدرات المتوافرة، تعزز هذه القدرات للمستوى المطلوب لتحقيق الغاية (الردع).

ومن المنظور الشعبي نقول بما أن سعادة السفير أكد أن «هذه الاتفاقية يجب أن ترسخ في أذهان شعوب وحكومات هذه المنطقة بأن الولايات المتحدة سيكون لها وجود دائم هنا، نحن لا نقبل فكرة مغادرتنا» أي أن سعادته مهتم بطمأنتنا كشعوب، بل أضاف: من الضروري لحكومتي أن تظهر الحكومة البحرينية فوائد الاتفاقية بحيث ندفع الآخرين إلى الانضمام وأن يحذوا حذو البحرين» وخاصة أنه أكد في ذات المقابلة «أن الاتفاقية رفعت مستوى التزاماتنا تجاه بعضنا البعض» فإننا من منظور شعبي نود أن نبدي بعض الملاحظات التي من شأنها أن تزيد من طمأنة الشعب البحريني أولاً وشعوب المنطقة وتتصدى للهواجس الشعبية -إن وجدت-.

أول تلك الهواجس التي استدعت تلك الأسئلة هو البحث عن ضمانات لعدم تكرار موقف الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2011، وهو موقف نجم عن الاختلاف في تحديد مصدر وحجم «التهديدات»، وكان ذلك الاختلاف سبباً في تهديد أمن البحرين تهديداً وجودياً.

إذ اعتبرت إدارة باراك أوباما حين ذاك أن ما يحدث في البحرين ما هو سوى احتجاجات مشروعة واضطرابات عادية، وأن على حكومة البحرين أن ترضخ لها وتستجيب وتجلس معها للتحاور، في حين كانت المسألة الواضحة للعيان ولجميع أبناء الشعب البحريني أن تلك كانت تنظيمات مسلحة بحرينية عميلة بالوكالة وبقيادة الحرس الثوري الإيراني، وهي من يقود الحراك، وقدمت البحرين حينها كل الأدلة على ذلك. لكن إدارة أوباما سدت آذانها ولم تكتف بعدم إدانة هذا التهديد، بل بالعكس دعمته ووقفت معه، ومن ذلك الموقف الأمريكي استمد وكلاء إيران قوتهم، والأكثر أنها منعتنا من التعامل مع تلك التهديدات، وحاولت منع الأشقاء في الخليج من دعمنا كما هو معروف من محاولات هيلاري كلينتون. ذلك كان أكبر تهديد تعرضت له مملكة البحرين في التاريخ المعاصر، ومع ذلك لم نجدكم معنا بل كنتم ضدنا.

تلك الهواجس هي التي نبحث لها عن أجوبة؛ لأن خبرتنا مع النظام الإيراني ليست في البحرين فحسب، بل في المنطقة كلها أن تهديداته لا تكون خارجية، فلا يستعين بجيشه النظامي ولا بحرسه الثوري للهجوم على دول الجوار، بل بوكلائه كما فعل معنا عام 1980 و1995 و2011، وكما فعل في لبنان وسوريا والعراق واليمن.

فإن كانت الاتفاقية ما زالت تمنح الضمانات للتهديدات الخارجية فقط فلا بأس، إنما شريطة أن تترك لنا حرية التعامل مع التهديدات التي تأتي من الوكلاء المحليين، ولا تتدخل في شأننا الداخلي بحجة ملفات حقوق الإنسان وملفات حريات وووو.. وتضع عقوبات وتمتنع عن استقبال قياداتنا.. إلخ، ما كان يتخذ كذريعة لحماية ودعم التنظيمات والجماعات العابرة للحدود كسياسة وإستراتيجية كانت سائدة إبان حكم الإدارات الديمقراطية في المنطقة.

فإن تم معالجة هذا الخلل الكبير الذي هددنا كشعب بحريني، فإننا نكون قد اجتزنا أكبر عقبة أساءت للعلاقات التاريخية بين البلدين منذ بدايتها حتى اليوم، وسيكون الشعب البحريني من الداعمين لهذه الاتفاقية، وما ذلك إلا لأننا أوضحنا موقفنا للعالم أجمع أن ما حدث لم يكن احتجاجات سلمية، ونحن نرفضها رفضاً باتاً لأننا نعرف -كما كانت إدارة أوباما تعرف- أنها تابعة للحرس الثوري الإيراني.

فالاتفاقية لها جوانب متعددة أخرى اقتصادية ولوجستية في صالح شعوب المنطقة والشعب الأمريكي، ونود أن يستفيد منها الطرفان فعلاً، وخاصة أننا نرى تغيراً كبيراً قد طرأ على تلك السياسة الليبرالية اليسارية الأمريكية التي ظنت أننا كشعوب وحدنا من نستفيد من تلك الاتفاقيات حتى اصطدمت بالواقع، وتعلمت أنها بحاجة إلينا ربما أكثر مما نحن بحاجة إليها.

نتمنى أن نحصل على إجابات واضحة لا لبس فيها عن تلك الأسئلة.