خطوة في منتهى الذكاء استثمار المؤسسة العسكرية للإعلام لمخاطبة عقول الرأي العام والمجتمع واستهداف فئة الشباب تحديداً من أجل تعزيز العلاقة بين الاثنين، نتمنى أن تكون ضمن مشروع مستدام، وليس مجرد تجربة يتيمة، فلطالما نادينا بذلك في مقالات عديدة.

مملكة البحرين ليست الدولة الأولى التي تستعين فيها المؤسسات العسكرية والأمنية بالإعلام للاتصال بالرأي العام ومخاطبته، جميع الدول الغربية تقوم بذلك بل وتفتح ملفاتها الخاصة للإنتاج الفني وكذلك فعلت جمهورية مصر العربية حيث أنتجت المؤسسة العسكرية مسلسلات مثل «المنسي والاختيار وكلبش وغيرها» أفلام ومسلسلات عكست الحياة العسكرية والجهود التي تبذل لإعداد الجنود والتضحيات التي يقدمها العسكري لحفظ أمن الأوطان، وحققت تلك الأعمال أهدافها ونجحت نجاحاً منقطع النظير في تعزيز صورة الجيش والجنود وتذكير المجتمع بأن هؤلاء أبناءك مصدر للفخر، إنما هي المرة الأولى التي أرى فيها هذا النوع في برامج تلفزيون الواقع كما يسمونه من خلال برنامج «قدها» الذي يعرض على منصة شاهد.

الحقيقة أن هذا العمل مفخرة ويشرف مملكة البحرين ويفتح ملفاً لطالما كتب عنه نظرياً أو سمع شفهياً من قبل من الشباب الذي مر بتجربة الدورات التأهيلية العسكرية ولطالما شاهدنا مثل هذه الدورات في الأفلام الأجنبية وحتى المصرية، لكنها المرة الأولى التي لم يكن هناك ممثلون بل شباب بحريني والأجمل أنه من جميع شرائح المجتمع ونسيجه الاجتماعي ومذاهبه حيث تجرد الشباب من كل انتماءاتهم وتحولوا إلى أرقام وهذه هي العقيدة العسكرية السليمة.

البرنامج تقدم له 800 مشترك تم اختيار 80 منهم بناء على اختبارات أولية، الثمانون بدأ بهم البرنامج حلقته الأولى، وخلال تسعة أيام أمضوها في معسكر تدريبي وفي ثكنات منع عنهم استخدام الهاتف أو التدخين تم رسم برنامج تدريبي عسكري صارم جداً جداً لهم تتم فيه عملية التصفيات بفصل من يعجز عن إكمال المهام المطلوبة، أو فصل من يوجه له أكثر من إنذار لمخالفات يتم إبلاغهم بها، إلى أن بقي 12 مشاركاً في اليوم الأخير تعرضوا فيه لأشد أنواع التدريبات قساوة وفاز ثلاثة منهم في الحلقة السابعة والأخيرة، الأول حصل على عشرة آلاف دينار جائزة والثاني خمسة آلاف والثالث ثلاثة آلاف، وكانت تلك الجوائز هي أقل المنافع التي حصل عليها الفائزون، إنما المنافع الحقيقية هي التي ستسمعها من المشاركين أنفسهم بمن فيهم من خرج من التصفيات، فقد كانت هي حقاً الهدف الحقيقي الذي أقدره شخصياً من هذه التجربة، وأتمنى أن أسمع رأي أسر وعوائل المشاركين في أبنائهم من بعد عرض البرنامج كي نعرف ماذا يعني أن ترتدي زياً عسكرياً.

لقد زاد احترامي كثيراً لمن يتخرج من هذه الدورات فقد شهدت ما يمرون به من ظروف قاسية تصقل لا مهاراتهم القتالية وقوتهم الجسدية فحسب بل تعيد اكتشاف قدراتهم لأنفسهم لدرجة أن بعضهم يتفاجأ من قدرته على التحمل، إنها تصقل عقليته وشخصيته ونفسيته، تخلصه من أي قدر من الاستهتار أو التهاون تلزمه بالانضباط والاحترام يعرف معنى المسؤولية حين يتسبب بجزاء جميع زملائه في حال مخالفته هو، يعرف ماذا يعني فريق وعمل جماعي ووحدة هدف حيث الواحد للكل والكل لواحد، تلك قيم أقر المشاركون بأنهم تعرفوا عليها من جديد من خلال هذه التجربة، فأنت تسمع بها غير أن تلزم بها وتقدرها.

لذلك احترامي لكل من ساهم في هذا العمل بدءاً من صاحب الفكرة سمو الشيخ ناصر بن حمد وإشراف سمو الشيخ خالد بن حمد وتنفيذ شركة استوديو ماستر وصاحبها المبدع المخرج أحمد الشيخ، لكل العاملين فيه من تصوير وإضاءة ومونتاج وهندسة صوت، الذين صاحبوا المشاركين وكانوا أسرة واحدة طوال مدة التصوير، فكم مصورٍ بكى أثناء تصويره للمشاركين وهم يقاسون من الجزاءات خاصة في منتصف الليل.

احترامي للحرس الملكي الذي أشرف على تنفيذ الدورة العسكرية خاصة المدربين وأهنئهم على حرفيتهم ومهنيتهم ونزاهتهم كانوا مثار إعجاب من الحلقة الأولى حتى النهاية.

وأهنئ جميع المشاركين بلا استثناء فقد كانوا مثالاً لشعب البحرين مشرفين يرفعون الرأس بإمكانياتهم وقدراتهم، بتنوعات أعمارهم وانتماءاتهم المناطقية، شعرنا فعلاً أنهم أسرة واحدة وهذه هي الحقيقة للشعب البحريني.

أخيراً

احترامي سيدي .. لمن ارتدى زياً عسكرياً فقد عرفنا ما تمر به قبل أن ترتديه.